مخاطر الاختراق على "العمل الجهادي"

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه) 

 

تنوعت وسائل الصراع وأدواته وجوانبه وميادينه في هذا العصر بما لم يسبق له مثيل من قبل، فمن الجوانب العسكرية والسياسية والإعلامية والاستخباراتية، إلى الجوانب الفكرية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية، إذ باتت تلك الجوانب كلها ميادين للصراع مع العدو.

ونظراً لما يملكه العدو من إمكانيات ضخمة واستعدادات كبيرة للمعركة فقد عمل على كافة الجوانب وفي جميع الميادين.

ولعلنا هاهنا نتحدث بشكل تفصيلي عن أحد أبرز أدوات العدو في صراعه مع المجاهدين، ألا وهو:(الاختراق)، لما له من خطورة بالغة، فقد تلقت الأمة من جرائه نكبات موجعة، وأصابتها بسببه مصائب كبرى، ولم يسلم منه حتى الصف النبوي حيث أثار المنافقون الخلافات وسعوا في شق الصف المسلم، والأمثلة على هذا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة.

لهذا كان من المهم الحديث عن الاختراق، وإيضاح جوانبه، وأهدافه، وذكر بعض النماذج الواقعية له، ثم نتبع ذلك بذكر عدد من التوصيات المقترحة لتجنبه.

 

أولاً : جوانب الاختراق:

عند إطلاق مصطلح (الاختراق) فإن المتبادر للذهن: الاختراق الاستخباراتي، والذي يعني (التجسس وجمع المعلومات من قبل العدو عن أحوال المجاهدين).

وبرغم خطورة هذا النوع من الاختراق إلا أنه ليس النوع الوحيد فإن هناك أنواعاً أخرى من الاختراق لا تقل خطورة عنه، مثل: الاختراق الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.

فإن الاختراق الفكري يعني: التأثير على أفكار أبناء التيار الجهادي وصرفهم عن الفكر الصحيح إلى أفكار غالية منحرفة في الغالب أو أفكار مداهنة منهزمة محبطة، وسوف أتحدث فيما يلي عن نوعي الاختراق بشيء من التفصيل والتمثيل.

 

ثانياً :  أهداف الاختراق:

يمكن تلخيص أهداف الاختراق – وحديثنا هنا عن اختراق العمل الجهادي - فيما يلي:

1 – احتواء العمل الجهادي وإطفاء جذوته بتحويله إلى أداء سياسي باهت أو بإعطائه بعض المكاسب الحقيرة التي لا تحقق المقصود، لكنها تسهم في توقف الجهاد، ومن نماذج ذلك "الحركة الجهادية في طاجكستان" والتي انتهت بالعمل السياسي المجرد، واكتفت بتولي عدد من الحقائب الوزارية، وانحرفت عن هدفها الأصلي، ولم تحقق الأهداف الرئيسية التي قامت الحركة لأجل تحقيقها.

2 – القضاء على الجهاد، من خلال القضاء على المجاهدين وهزيمتهم في المعارك المختلفة هزيمة ساحقة، وتصفية قيادات الجهاد في أوج نشاطها وشدة الحاجة إليها، ويتم ذلك بطريقة تقود إلى الاتهامات المتبادلة داخل الصف الجهادي، كما حصل في اغتيال د. عبد الله عزام، واغتيال القائد خطاب رحمهما الله تعالى.

 

3 – توظيف التيار الجهادي وكوادره لتحقيق مقاصد العدو وأهدافه، ومثال ذلك :

* إدخالهم في الحرب ضد عدو تقليدي في الصراع بين القوى الكبرى كما وقع في الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي.

* إرباك البلاد الإسلامية والتشغيب عليها من خلال بعض الممارسات مما يدفع تلك البلاد للارتماء في أحضان العدو لطلب الحماية والنصرة منه.

* إيجاد الذريعة للتدخل الأجنبي من خلال بعض الأعمال التي يتم القيام بها تجاه بعض مصالح العدو في البلاد الإسلامية.

* تحويل مسار الجهاد إلى استهداف فئات أخرى غير العدو الأصلي، وتوسيع دائرة الصراع حتى يتكالب الناس على حرب الجهاد ومواجهته مما يؤدي إلى هزيمة المجاهدين وإطفاء جذوة الجهاد وإضعاف الثقة به كوسيلة وأسلوب من أساليب التغيير، وقد تحول العديد من مناصري الجهاد المنضمين إلى لوائه أحياناً إلى خصوم وأعداء واستعان بهم العدو لضربه، وكان ذلك من جراء التجاوزات المستمرة التي قام بها بعض المنتسبين إلى الجهاد.

* دفع المنضمين للتيار الجهادي إلى ضرب أهداف يصعب على العدو الصريح القيام بها مثل تصفية بعض الكوادر السياسية والشرعية في البلاد الإسلامية، وقد قامت بعض التيارات والحركات الجهادية بإهدار دماء عدد من قادة العمل الإسلامي، وقتل عدد من القيادات الجهادية والعلمية لأهل السنة، وإصدار البيانات الرسمية بهذا الشأن تحت ذريعة الاتهام بالخيانة والعمالة من غير بينة.

 

4 – استغلال بعض أفراد التيار الجهادي لتشويه صورة الجهاد والمجاهدين و نشر الإحباط على مستوى الأمة ككل، من خلال التشكيك في جدوى الجهاد، وإشعار عامة المسلمين بأن الجهاد بات يشكل خطراً عليهم قبل غيرهم، وذلك من خلال بعض الممارسات المنحرفة والتفجيرات العشوائية المنسوبة إلى الجهاد، والتي تضر بالمسلمين أكثر من غيرهم، ويتم تغطيتها إعلامياً من قبل العدو، كما تعطى زخماً كبيراً من أجل تنفير المسلمين من الجهاد وتشويه صورة المجاهدين، وقد وقع الكثير من ذلك في العمل المسلح في الجزائر، وكان بعضه من صنيع المقاتلين، وكثير منه من صنع الاستخبارات الجزائرية.

 

5 – صرف الجهاد عن هدفه وحرفه عن مساره إلى الغلو:

حيث يتسبب الغلو في العصف بالمجتمع الإسلامي برمته، وتأجيج الصراع بين قياداته الدعوية والجهادية والسياسية، كما يؤدي إلى التكفير والتشدد في الحكم على المخالفين مما يتسبب في حدوث الانشقاقات والتصفيات داخل التيار الجهادي، وقد وقع في بيشاور إبان الجهاد الأفغاني بعض الصور المشينة، ومن ذلك ماحصل من مدعي الخلافة الذين استباحوا دماء إخوانهم وأعراضهم تحت ذرائع شتى سببها الغلو، كما وجد صفوف التيار الجهادي من يرى أن الأصل في المجتمع الإسلامي الكفر، فلا يصلي في مساجد المسلمين ولايأكل من ذبائحهم، ورأى بعضهم التوقف في شأن عامة المسلمين والتبين من حالهم، كما وجد من يبادر إلى تكفير المسلم لأدنى تأويل.

6 - الالتفاف على العمل الجهادي من خلال صنع مقاومة عملية مدعومة من قبل الاحتلال حتى إذا برزت واستطاعت استقطاب الإعلام وكسب ثقة الناس، دعت إلى جمع المقاومة تحت قيادة واحدة، وهي قيادتهم بطبيعة الحال، ثم فاوضت العدو باسم المقاومة واستسلمت للعدو، وقد استطاعت الاستخبارات الألمانية – كمثال – إبان حكم "هتلر" لألمانيا تنفيذ أسلوب ذكي في النيل من جماعات المقاومة التي قاتلت جيش الاحتلال الألماني في العديد من الدول الأوربية . وتتمثل خلاصة ذلك الأسلوب في صناعة قادة مزيفين ومجموعات مقاومة تدار من قبل الاستخبارات الألمانية، وتسلط عليها أبواق الدعاية والإعلام حتى تشتهر . وقد يترتب على ذلك تحمل الجيش الألماني بعض الخسائر في سبيل شهرة تلك المجموعات المقاومة المصطنعة، وعندما تكبر تلك المجموعات ويشتهر قياداتها وأبطالها المصطنعين . تبدأ الاستخبارات في فرض وجودهم على المجموعات المقاومة الحقيقية , وتفتيت صفوفها أو اختراقها من قبل القيادات المصطنعة تحت دعاوى ضرورة توحيد الفصائل أو تنسيق أعمالها وتعاونها, كما تستخدمها في نزاعات داخلية بين فصائل المقاومة. (انظر : كتاب "شهادتي على الجهاد في الجزائر"، لأبي مصعب السوري)

 

 

ثالثاً : صور من حالات الاختراق ( نماذج من اختراق العمل الجهادي)

1 – التجربة السورية:

لم تستطع الأجهزة الأمنية السورية على الرغم من عنفها الشديد وبطشها وقتلها لكثير من مقاتلي "الطليعة الإسلامية" لم تستطع القضاء على هذا التنظيم، فسعت إلى اختراقه من الداخل، وقد حدث ذلك فعلاً على يد جاسوس المشهور بكنية (أبي عبدالله الجسري) ، والذي بسببه تم القبض على عدنان عقلة، وحوالي السبعين من أفضل الكوادر العسكرية في التنظيم، وقد استطاع اختراق الطليعة، والترقي في صفوفها القيادية بسرعة معتمداً على طيبة القائد عدنان عقلة، وحماسته للجهاد، وتشجيعه الشباب على القتال بصرف النظر عن اختلاف وجهات النظر حول هذا المنهج الذي يبدو متسرعاً في نظر الكثيرين.

وأضاف الجسري هذا لصفاته – ظاهرياً - صفة الورع والتقوى، فكان يكثر من قراءة القرآن، ويصلي والناس نيام، وكان يوقظ زملاءه الذين يسكنون معه لصلاة قيام الليل، وهذا السلوك كان من أهم الأسباب التي جعلت عدنان عقلة وآخرين غيره يطمئنون إليه، وكانت الثغرة الأساسية التي نفذ منها هي تهاون أعضاء الطليعة في انتقاء كوادرهم، وعدم التثبت من ماضي الرجال، وكثرة الكلام من غير داع لذلك، وقد بدأ الجسري اختراقه بعملية هروب من سورية إلى بغداد، ومن هناك انتقل إلى عمان، وخلال فترة قصيرة أصبح أحد قادة الطليعة، وأقنعهم أن عنده مجموعة من المجاهدين شمال سورية، وأظهر لهم الرسائل التي يتلقاها منهم، ويطلبون منه الاتصال بمسئولين من الطليعة ليحركوا العمليات القتالية التي ضعف شأنها في الفترة الأخيرة وخاصة بعد مجزرة حماة، وكان أبو عبد الله يعلم أن مثل هذا المطلب تنتظره الطليعة بفارغ الصبر، وسوف تتفاعل معه دون أي حذر لاسيما وأن صاحب هذا الاقتراح من أهل الحل والعقد عندهم.

وقد أقنع عدنان عقله مساعديه بهذا الاقتراح، وبدؤوا يستعدون لتنفيذه، وكان أبو عبد الله يرسل التقرير تلو التقرير إلى المخابرات، ويوهمهم بأنه يرسلها لأصحابه في شمال سورية، وبدأت خلايا الطليعة تدخل سوريا لتسقط الواحدة تلو الأخرى، إلى أن سقط عدنان عقلة نفسه بيد المخابرات السورية، وبعد ذلك غادر أبو عبدالله الجسري عمان إلى دمشق حيث استقبل بحفاوة بالغة، وتبين أنه ضابط في المخابرات السورية. (انظر مقال "الاختراق" لحسن الرشيدي)

 

2 – التجربة الجزائرية:

يعد النموذج الجزائري من أوضح أمثلة الاختراق وأبشعها، وذلك لأن الاختراق حدث باعتراف الجميع سواء الأطراف الأمنية والتي قامت بالاختراق، أو من المخترقين أنفسهم بعد أن انشقوا عن هذه الجماعات، ولأنه قد ترتب على هذا الاختراق أعمال وحشية وجرائم قتل ومذابح واغتصابات متكررة .

وفي شهادة لأحد قدامى المجاهدين المهتمين بالقضية الجزائرية وهو ( أبو مصعب السوري) يقول :

(قام أبو عبد الرحمن أمين وقياداته على اغتيال الشيخ محمد السعيد و المجاهد عبدالوهاب العمارة وغيرهما من المجاهدين المنتمين لجماعة الطلبة [ وهي : جماعة جهادية جزائرية ] بدعوى تحضيرهم للانقلاب على قيادته، وبدعوى الحفاظ على الهوية السلفية للجماعة بزعمهم، ثم أتبع أبوعبد الرحمن أمين تلك الجريمة بإصدار كتاب بعنوان (هداية رب العالمين ) على أنه (منهج الجماعة الإسلامية المسلحة ) وقد حمل الكتاب من فنون الجهل , وألوان التطرف والتكفير , وقواعد الإجرام وقتل الأبرياء مما جزم بالهوية المنحرفة الجديدة للجماعة في عهد أميرها هذا . ووضحت أبعاد الكارثة التي حلت بقيادة الجماعة المسلحة، ثم أتبع ذلك بتوجيه  مقاتليه إلى المجازر الجماعية في المدنيين في القرى المجاورة لهم بدعوى أنهم انخرطوا في المليشيات الحكومية , فكفرهم واستباح قتلهم وسبي نسائهم على أنهم مرتدين! واستغلت أجهزة الاستخبارات الجزائرية هذه الأجواء - التي تكشف فيما بعد أنها هي التي سعت إليها وأوجدتها -  ودست العملاء في قيادة الجماعة التي ربما كان (أمين) واحدا منهم، كما بدأت الكتائب والفصائل الجهادية في الداخل تنفض عن قيادة ( أمين ) , لتنغمس أكثر فأكثر في حمامات الدم المروعة المخزية.. ثم اشتعال القتال بين الجماعة وبعض تلك الفصائل المنفصلة عنها .. لقد كانت قيادة الجماعة المسلحة في الجزائر مجموعة من المنحرفين بذاتهم , وتولت الاستخبارات الجزائرية إكمال الانحراف وتوظيفه)، ثم توصل أبومصعب إلى نتيجة مفادها ( أن المخابرات الجزائرية قد وصلت إلى اختراق الجماعة المسلحة , وأن كثيرا من هذه البيانات تكتبها المخابرات الجزائرية , وأن أكثر المجازر تجري بترتيب المخابرات).

 

3 – التجربة الشيشانية:

حيث تم اكتشاف شبكة من الجواسيس المتغلغلة في أوساط المجاهدين، وبخاصة في مجموعة القائد "خطاب" حيث استطاع أكثر من ثلاثين فرداً من تترستان وبعض بلاد الروس أن يلتحقوا بمعسكرات التدريب والانضمام للمجاهدين حيث أظهروا رغبة معاونة المجاهدين ونقل الجهاد إلى بلادهم المحتلة من قبل الروس مما جعل المجاهدين يرحبون بهم ويمنحونهم الثقة الكاملة إضافة إلى ماكانوا يظهرونه من العبادة والصيام وقيام الليل مما سهل تغلغلهم في صفوف المجاهدين وتم كشفهم بتوفيق الله فاعترفوا – انظر مذكرات خطاب حين ذكر القصة-، إضافة إلى أن مقتل خطاب رحمه الله كان من خلال السم الذي وضعه أحد المقربين منه، وكذا مقتل العديد من القيادات في الشيشان إنما تم عن طريق الاختراق.

 

4 – التجربة المصرية :

لقيت جماعة التكفير والهجرة ( جماعة شكري مصطفى) رعاية وتشجيعاً من الحكومة المصرية، وهذا أمر تؤكده وقائع وكتابات بعض أعضاء الجماعة في ذلك الوقت مثل عبدالرحمن أبو الخير في كتابه (ذكرياتي مع جماعة المسلمين)، وتؤيده أيضاً وثيقة مكافحة الحركة الإسلامية التي كشفتها الصحافة عام 1979م .

ويعترف عبدالرحمن أبو الخير أن شكري صانع أكبر مأساة في تاريخ الحركة الإسلامية فقد بنى حركته على مبدأ فاسد وهو العمل من خلال خطة العدو.

وقد ثبت أن جماعته خطفت وقتلت الشيخ الدكتور الذهبي، تحت تأويلات باطلة، حيث أفتت جماعة شكري بكفر الشيخ الذهبي، ولما كان الشيخ الذهبي على خلاف مع الحكومة المصرية فقد اتفقت جماعة شكري مع الأمن (!) على تنفيذ عملية اغتيال الشيخ، ولما اعترض أبو الخير على شكري بعد أن بلغه ذلك الاتفاق قائلاً بلهجة عامية مصرية: الطريقة دي تجعلنا نستثمر ونستغل! قال له شكري: قبلنا أن نستثمر، قبلنا أن نستثمر، يعني ليس لدينا مانع أن ندخل أي عملية نكسب منها 54% ويكسب منها العدو 46%.

كما أن من وقائع الاختراق ما وقع لجماعة الجهاد المصرية أثناء وجودهم في السودان، حيث تم اختراق الجماعة من خلال أحد أبناء قادة الجماعة، مما ترتب عليه تنفيذ عملية قوية ضدها، والزج بالكثير الكثير من كوادرها في السجون ومعرفة خططهم قبل البدء في تنفيذها، وقد ذكر د.هاني السباعي في موقع المقريزي على شبكة الإنترنت أحداثها مفصلة.

ولعل المتأمل لعدد من لأمثلة المذكورة آنفاً يتبين له أن أهم خصائص هذه الاختراقات فيما يتعلق بالتنظيم نفسه مايلي:

·       · أن أغلب هذه الاختراقات تحدث في التنظيمات شديدة السرية.

·       · أن هذه الاختراقات تبلغ مرحلتها النهائية، وهذه التنظيمات في أوج قوتها.

·       · أن هذه الاختراقات تتم عندما يكون هناك تصادم دموي بين السلطة وهذه التنظيمات.

·       · أنه يسهل الاختراق عند ضعف المستوى القيادي من النواحي السياسية والشرعية.

·       · أن بعض التنظيمات قد تبرر شرعاً وواقعاً استخدام السلطات لها لتحقيق أهداف مشتركة.

 

رابعاً :  توصيات مقترحة لتجنب الاختراق ومعالجة آثاره حين يقع.

*  وضع دستور واضح للعمل ومنهجية مؤصلة على منهج أهل السنة بحيث لا تتغير المواقف والتوجهات تبعاً لأهواء القادة أو ميولهم الناتجة عن طبيعتهم الأصلية أو المتأثرة بسبب تأثير خارجي سواء كان ذلك التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر.

*  وضع الضمانات الكافية للالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد والتعامل مع الخصوم، والتزام الوسطية وفقاً لمنهج أهل السنة والجماعة، ووضع الضوابط التي تحمي من الانحراف في هذا المجال.

*  محاصرة التسلل الفكري وتطويقه، وحماية العمل من المؤثرات التي تدفع باتجاه الغلو، حيث أن ذلك الانحراف الفكري قد يكون من خلال كوادر مهمة وذات وزن كبير في العمل، مع حاجة العمل إليها، فيجب هاهنا محاصرة هذا الفكر واستبعاده، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة بعض الكوادر، لأن تلك العناصر يمكن أن تجر على الجماعة أو الحركة الجهادية الويلات من جراء انحرافها، وقد تقضي على المشروع الجهادي برمته.

*  إيجاد مرجعية شرعية قوية تملك صلاحيات واسعة وتتبوأ مواقع مهمة في اتخاذ القرار ورسم سياسات العمل في التنظيم أو التيار الجهادي.

*  أن لا يتولى القيادة إلا من عرف بتاريخ نظيف، واشتراط أن يكون محل ثقة عالية، وتجنب تولية من لهم تاريخ سيء حتى وإن استقاموا كما كان هدي عمر بن الخطاب مع المرتدين الذين رجعوا إلى الإسلام إذ قبل توبتهم وأمر أن لا يولوا على شيء، وإنما يكون من عموم جند المسلمين.

*  تجنب تولية حدثاء العهد بالهداية ومن لا يعرف تاريخهم.

*  بث الوعي السياسي والأمني والفكري داخل التيار الجهادي.

*  التركيز على البناء العلمي والتربوي للأفراد، وإحياء روح المراقبة والخوف من الله تعالى.

*  وضع منهج علمي يضبط التطبيقات الميدانية للعمل، ويحدد موقف التيار أو الجماعة من المسائل الرئيسية التي تواجهه في الميدان، بحيث يكون هذا المنهج هو المعتمد الذي يتم التعامل من خلاله، كما يتم محاسبة المخالفين والمتجاوزين له.

*  عدم قبول الانفراد في حال "المفاوضات" و"اللقاءات" مع العدو، وضرورة التركيز على الجانب الجماعي بحيث لا ينفرد شخص – مهما كان حجمه وموقعه من العمل – باتخاذ القرارات الفردية، إذ يمكن للعدو عند انفراده بالمفاوض أن يغويه أو يغريه أو يخدعه أو يفتنه، وأن تكون القرارات المصيرية مرهونة بموافقة عدد أكبر من أصوات مجالس الشورى مع التحري والاحتياط الشديدين.

*  تنمية المعرفة التقنية ووضع الكوادر المتخصصة في ذلك وحماية العمل تقنياً والحذر من اختراقات العدو في هذا الجانب.

*  التعامل بحذر شديد وسرية تامة مع أي حالات شك في وجود الاختراق، أو اكتشاف شيء منه، وذلك من أجل احتواء الاختراق ومعالجته.

*  أن يكون هناك حد أدنى من الصفات الشخصية والمهارات المتوفرة لدى الشخص قبل أن يولى على المهام القيادية في العمل، بحيث يكون أبعد عن الاستدراج أو الاختراق ولا يكتفى بمجرد الأقدمية وصلاح النية وكثرة العبادة مع أهمية هذه الجوانب، ولهذا كان من الواجب هنا استبعاد السذج والبسطاء عن أمثال هذه الموقع، كما أن من أبرز الصفات المهمة: الاستعداد للتضحية وأن لا يشح بنفسه، ولا يؤثر حظوظها على العمل.

*  دراسة الحالات التي تم فيها اختراق العمل الجهادي بشكل أكثر تفصيلاً ومعرفة كيفية نجاح العدو فيها حتى يمكن تدارك الخلل ومنعه من الوقوع مجدداً.

*  تجنب سياسة التجميع دون تمييز و استقبال من هب ودب في ميادين الجهاد دون معرفة سابقة أو تزكية معتبرة.

*  حصر المعلومات المهمة في أضيق نطاق، وبقدر الحاجة، بحيث لا يحصل الفرد على معلومة لا يحتاج إليها، والاقتصاد في ذلك حسب الإمكان.

*  الحذر من أن تكون الأحداث المفاجئة وردود الأفعال هي التي تقود العمل وتؤثر فيه وتغير استراتيجيته، بحيث يستغلها العدو لاستدراج التيار الجهادي ودفعه باتجاه معين.

*  معرفة أن الإعلام صورة من صور الحرب فيجب الحذر من سياسة العدو الإعلامية التي يحاول أن يصرف بها العمل عن هدفه بتضخيم بعض الأنشطة وتغطيتها إعلامياً أو إبراز بعض الشخصيات وتلميعها واعتبارها الخطر الداهم على العدو أو التشكيك في بعض الفصائل الجهادية وضرب بعضها ببعض، لإشاعة جو من عدم الثقة فيما بينها.

*  الحذر من الاستدراج السياسي والإغراء المالي من قبل العدو أو من قبل المتواطئين معه الذين قد يظهرون مخالفته وعدائه وهم في الحقيقة يعملون لصالحه.

 

وختاماً : فإنني أرجو أن أكون من خلال مقالي هذا قد ساهمت في ترشيد العمل الجهادي، ذلك أن الاختراق – بلا شك - أحد الآفات التي يتعرض لها الجهاد، وأحد مصادر الخطر التي تحيق به، والتي يوشك أن تذهب بكل المكاسب التي حققها التيار الجهادي، بل وربما أحدث الاختراق للعمل الجهادي آثاراً كارثية فتحول الجهاد بسبب ذلك الاختراق من كونه سبيلاً لنصرة الأمة وتوحيدها وحماية حوزتها، إلى كونه سبباً في المزيد من الاقتتال وسفك الدماء وتفريق الأمة وتسهيل وتبرير دخول العدو المحتل لأراضيها.

لذا كان جديراً بكل مجاهد في سبيل الله أن يجعل هذا الأمر نصب عينيه، وأن يلزم الحذر والاحتياط، وأن يحرص على تنقية النفس من ميولها وشهواتها، وأن يحذر كل الحذر من الجهود التي يبذلها العدو لاستدراج المجاهدين والإيقاع بهم من خلال بعض المنتسبين إليهم.

وعلى الجماعات الجهادية السعي بجد لحماية العمل من الاختراق، وتصفية الصفوف مما قد يشوبها.

 

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد

تم تحريره في 25 / 11/  1429 هـ

 

والحمد لله رب العالمين ،،،

 


خطاب.. وفقه العمل الجهادي

( أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه )

بسم الله الرحمن الرحيم

القائد العربي الأفغاني الطاجيكي الشيشاني "خطاب" رمز من رموز الجهاد في العصر الحاضر، تقلب في جفون الموت على مدى أكثر من خمس عشرة سنة، وحقق انتصارات كبيرة في ميادين متعددة، وكسب شهرة إعلامية عالمية، وتميزت شخصيته بصفات وسمات قل أن توجد مجتمعة في شخصية واحدة.
اسمه الحقيقي سامر بن صالح بن عبد الله السويلم، ولد عام 1389 من الهجرة النبوية في مدينة عرعر شمال المملكة العربية السعودية، ومكث فيها حتى انتهى من الصف الرابع الابتدائي وعمره عشر سنوات، ثم انتقل مع والده -رحمه الله- إلى منطقة الثقبة بالقرب من مدينة الخبر.
أنهى دراسته الثانوية و كان ينوي السفر للخارج لإكمال الدراسة هناك، لكنه ذهب لأفغانستان في عام 1988م والتحق بركب الجهاد منذ ذلك التاريخ حتى استشهاده.
كان في أفغانستان قائدا لسرية المدفعية في جلال أباد ورتب عمليات كثيرة، وفي طاجيكستان كان في قيادة الجبهة مرتبطاً بالقائد عبد الله نوري مباشرة، ثم في الشيشان كان قائدا في الجبهة الوسطى مع شامل باسييف، إلى أن جاءت عمليات داغستان فكان القائد الميداني للجيش الإسلامي الذي شارك في المعركة.
وكان رحمه الله يتحدث بأربع لغات، فيتحدث اللغة العربية و اللغة الروسية والإنجليزية والبوشتو. واستشهد رحمه الله في أوائل شهر صفر من عام 1423هـ من الهجرة وله من العمر 33 عاماً.
ليس الذي يميزه شجاعته وحنكته العسكرية فحسب، ولا صبره وطول نفسه في مصاولة الأعداء، ولست هنا بصدد الحديث عن شخصيته فذاك يحتاج إلى صفحات مطولة، ولكنني أتناول في هذه المقالة جانباً مهماً من جوانب شخصيته الجهادية التي عز وجودها بين المجاهدين في هذا العصر مع كثرتهم وقوة شكيمتهم وشجاعتهم المفرطة.
هذا الجانب هو :
فقه "القائد خطاب" للعمل الجهادي

ويتجلى في رؤيته المتكاملة للعمل الجهادي وعنايته الخاصة بكل زاوية من زواياه، وليس الجهاد في نظره "التدريب العسكري فقط" ولا "تطوير الأسلحة والتفنن في العلميات العسكرية" و"الابتكار في أساليب القتال" لكنه كان إضافة إلى ذلك كله "الإعلام الجهادي" الذي لايقل عن الجانب العسكري.
كما أن للعلم الشرعي والجانب التربوي مكانته وموقعه اللائق في برنامج "القائد خطاب"، وللجانب الإغاثي والاجتماعي أهميته ورجاله التي تعمل جنباً إلى جنب مع المجالات الأخرى ولعل ذلك كله من أسباب نجاح العمل في الشيشان واجتماع كلمة المجاهدين هناك.

ولتفصيل ماسبق فإنني أشير إلى معالم مهمة في هذا الباب :

أ - فقه الجمع بين العلم والإعداد :
لقد بدأ خطاب عمله في الشيشان، تلك المنطقة البعيدة عن العلم الشرعي وعن فهم الإسلام وتطبيقه في حياة الفرد وسلوكه.
وكان يغلب على الشعب الشيشاني الجهل والبعد عن أخلاق الإسلام وعباداته إضافة إلى شراسة في الطبع وخشونة في المعاملة مما جعل عدداً منهم كوادر مهمة في عصابات المافيا، إذ كانت تلك الوظيفة أفضل الوظائف وأليقها بالرجل الشيشاني.
وكان منهم متدينين غلب عليهم التصوف المنحرف المغرق في الخرافة، إضافة إلى وجود قلة من السلفيين تحت قيادة الشيخ فتحي الشيشاني رحمه الله.
ولكن "القائد خطاب" بمنهجيته في الجهاد ومفهومه للجهاد الشامل استطاع – بفضل الله – تحويل رجال العصابات إلى قادة مجاهدين، وطلبة علم شرعيين، وقضاة ومفتين.
فكان من طريقته أن اعتنى بتهذيب أخلاق المتقدمين إلى معسكرات التدريب، وتعليمهم أمر دينهم، فاشترط على كل متقدم للتدريب أن يدخل دورة شرعية يتلقى خلالها أحكام الإسلام وأخلاقه.
فإذا تجاوز تلك الدورة انتقل إلى معسكر التدريب ليتعلم على السلاح وفنون القتال، وإذا أخفق في اجتياز الدورة الشرعية فيكون هذا الرجل غير مناسب ليكون مجاهداً في سبيل الله، وقد كان يحذ دوماً من أن يخرج مقاتلين قد يستثمرون ماتعلموه في إيذاء الناس والاعتداء عليهم.

وكان يقول – رحمه الله - : " المجاهدون من غير علم شرعي قطاع طرق "

ولم يكن في هذا الميدان وحده، بل كان قبله ومعه الشيخ فتحي الشيشاني، وهو طالب علم ومجاهد قديم سبق له الجهاد في أفغانستان.

كما كان معه (أبوعمر السيف) وهو عالم شرعي، سبق له المشاركة في الجهاد الأفغاني.

وكان من جوانب هذه المسألة احترامه للتخصص، فلا يسمح لأحد بالخوض في المسائل العلمية إلا أن يكون مؤهلاً لذلك، وقد جعل مرجعية علمية للمجاهدين تضبط مسائلهم وتحسم خلافاتهم، ذلك أن من المسائل التي أضرت ببعض ساحات الجهاد : مسائل التكفير والحكم على الآخرين، فكان "خطاب يمنع الحديث في هذه المسائل، ويطلب ممن لديه إشكال أو شبهة في هذا الشأن الرجوع إلى أهل العلم، والتزام قولهم، فلاتصبح هذه المسائل مجالاً للخوض في المعسكرات والجبهات.

بل كان "خطاب" نفسه يحترم التخصص، ولا يسمح لنفسه بالخوض في المسائل الشرعية لكونه الأمير بل كان يرجع فيها لأهل العلم ويلتزم قولهم ولايجازف باتخاذ المواقف قبل تحرير الرؤية الشرعية لها.

ب - فقه التعامل مع أهل البلاد :
قدم "خطاب" للشيشان وقد تقاسمتها الخلافات القبيلة والمناطقية والصراعات الفكرية والثارات العشائرية والحزبية.
كما بدأت القضية الشيشانية تحت قيادة ضباط سابقين في الجيش الروسي ممن لم يسبق لهم أن حظوا ببيئة إسلامية أو علم شرعي.
وكانت قيادة المقاومة مخترقة من قبل الاستخبارات الروسية في عدد من رجالاتها وعلى رأسهم في تلك المرحلة أحمد قادريوف (مفتي الشيشان) الذي كان يحاول دوماً إشعال الفتنة بين الشيشانيين أنفسهم، سلفيين وصوفيين، كما كان يحاول إشعال الفتنة كذلك بينهم وبين العرب المناصرين لهم من جهة أخرى، حيث كان يثير مسألة الوهابية في كل مناسبة.
لكن "القائد خطاب" تعامل مع الخارطة الشيشانية السكانية المختلفة المتشعبة مذهبا وفكرا وعشائراً بأسلوب الاحتواء وتجنب الصدام وتأليف القلوب وسد منافذ الفتنة.
وكان دائما يردد " نحن جئنا لنصرة الشيشان، فإذا كان بقاؤنا سيثير فتنة بيننا وبين الشيشانيين، أوبين الشيشانيين أنفسهم فإننا سنبادر للخروج ".
وقد ركز رحمه الله على احتواء القيادات المهمة أمثال شامل باساييف.
وقد حرص الأعداء على إثارة نقاط الخلاف إعلاميا فكانوا يحرصون على سؤاله في لقاءات إعلامية متعددة عن رأيه في مشايخ الصوفية، فكانت إجاباته تنم عن فقه عميق، مما يفوت الفرصة على الأعداء.
كما كان يتألف الناس بالمال والهدايا ويكسب رؤوس الناس بالتواصل معهم.
وكان للعمل الإغاثي والاجتماعي تأثير كبير في إطفاء الكثير من الفتن، وكسب عموم الشعب.
يقول "القائد خطاب": (كنا بعيدين عن محاور النقاش و بعيدين عن أن يجرنا الناس إلى نقاشات معينة.و ضعنا لنا منهجا و طريقا معينا في مجال النصرة و الدعوة و الحمد لله و و الله لقد كان لدينا الطلاب بالمئات و لو كان عندنا إمكانية لفتحنا أكثر من معهد أو دار لتحفيظ القرآن و كانت المشكلة لدينا في الإمكانيات و لم تكن هناك أي مشكلة مع الناس...كانت لنا علاقات طيبة وواسعة مع فئات من شعوب القوقاز و أصبحنا معه على ارتباط أكثر مما عليه بعض القادة الميدانيين الآخرين من الشيشان و أصبحنا نعرف طبائع الناس و كيف يفكرون و مع من نتعامل و كيف نعمل والحمد لله).

ج - في فقه التعامل مع الخلاف واحتواء آثاره :
لم تكن الساحة الشيشانية خالية من الفصائل المختلفة المتباينة في الفكر والانتماء، وكانت عوامل الفتنة وتأجيج الصراع مهيأة وحالة الانفجار متوقعة.
لكن تعامل المجاهدين مع هذا النوع من الخلاف وعلى رأسهم الأمير "خطاب" والعالم الشرعي أبوعمر السيف نجح في الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقة التي تمنع الصراع، وتحتوي المجموعات المختلفة برباط من الاحترام المتبادل وحفظ الحقوق، وقد توّج ذلك باجتماع مجلس شورى المجاهدين الذي ضم جميع الفصائل المعتبرة في الشيشان -تقريبا- تحت قيادة واحدة.
ويمكن تفصيل هذه في ذكر بعض الصور والأحداث :
* لما توقفت الحرب الشيشانية عام 1994م باتفاقية مع الروس، حظي من خلالها المجاهدون بحكم دولة الشيشان في الوقت الذي قتل فيه جوهر دودايف وتولى الرئاسة بعده سليم خان، تحرك الشيخ أبوعمر لإنشاء المحاكم لشرعية وحرس الشريعة لإقامة الشريعة الإسلامية على أرض الشيشان المحررة، بحيث يقوم أولئك الحرس بتطبيق الشريعة والعمل الاحتسابي على المنكرات، في ذلك الوقت كان القائد "خطاب" غير مقتنع بهذه الخطوة، وكان يرى أن الشعب الشيشاني غير مهيأ لهذه المرحلة.
ومع كونه الأمير والقائد العسكري، إلا أنه تعامل مع الأمر الواقع وتواصل مع الشيخ أبي عمر وإخوانه بالمناصحة والرأي دون مناوئة للرأي المخالف فضلا عن الهجوم عليه أو على القائلين به إعلاميا أو عسكرياً، بل كان يدافع عنهم ضد من يستهدفهم بالسب أو الخصومة أو القتال.
* كان مسخادوف هو الرئيس المنتخب خلفاً لسليم خان، وكان عدد من قادة المجاهدين - ومنهم القائد خطاب والشيخ أبوعمر - يتحفظون على مسخادوف ومنهجه في إدارة البلاد، كما كانوا يشكون في ولائه، ويخافون من مواقفه. لكنهم برغم ذلك لم يعلنوا الحرب عليه وتعاملوا معه برفق وحكمة ومداراة، حتى كسبوا ولائه وصار معهم في خندق واحد يجاهد معهم ويتنقل في الغابات حتى قتل نسال الله أن يتقبله في الشهداء.
وكان يمكن أن يكون الخلاف معه سبباً للاقتتال بين فصائل المجاهدين بحيث يفني بعضهم بعضا.
* كان حمزة قلايو أحد القيادات المهمة، وكان بعيداً عن المجاهدين ومستقلا في عمله، وله موقف من "شامل باساييف" وبعض القيادات الأخرى..فكانت طريقة المجاهدين هي: تقريبه ومساعدته حتى لا يذهب بعيداً، وقد وعدوه بالدعم إذا انضم إلى مجلس شورى المجاهدين ووحد العلميات مع إخوانه، وانضم إليه أحد الأنصار "سيف الإسلام"ليوجه مجموعته ويؤثر في القائد "حمزة" فكان له ما أراد، وتحولت مجموعة "حمزة" إلى فصيل من أفضل الفصائل المجاهدة.

د - التركيز على الجانب الإعلامي ومعرفة أهميته:
أدرك "القائد خطاب" بمفهومه الشامل للجهاد ضرورة الجانب الإعلامي وأهميته في الصراع وتوضيح موقف المجاهدين من عدوهم، وماوقع على الشعب الشيشاني من الظلم والعدوان من قبل الروس، ومخاطبة الشعب الروسي ليقف ضد قيادته الظالمة، وقد كانت جمعي أمهات قتلى الروس في الشيشان من المؤسسات الضاغطة على الحكومة الروسية لإيقاف القتال في الشيشان بالمظاهرات والاعتصامات والمطالبة الحقوقية، مما أسهم في إضعاف الموقف الروسي من القتال في الشيشان.
ويعتبر "القائد خطاب" من أقدم من قام بتوثيق العمليات العسكرية بالفيديو وإخراجها في سلسلة متصلة مع أداء إعلامي متميز، حيث كان له قصب السبق في هذا الميدان.
وقد نقل عنه أنه قال " إن الله أمرنا بمجاهدة الكافرين وقتالهم بمثل ما يقاتلوننا به. وهاهم يقاتلوننا بالدعاية والإعلام لذلك فيجب علينا أيضا مقاتلتهم بإعلامنا "

كما أن موقع (صوت القوقاز) المتحدث باسم المجاهدين في الشيشان كان من أوائل المواقع الجهادية على الشبكة، وقد رفع من مستوى الأداء الإعلامي للتيارات الجهادية، وعرف بقضيتهم بشكل لم يسبق له نظير، وتعتبر كل المواقع الجهادية الحالية سائرة في إثر موقع القوقاز.

كما يعتبر الأداء الإعلامي في القضية الشيشانية باكورة العمل الإعلامي الجهادي في العالم كله.

ويتميز "القائد خطاب"رحمه الله بالأداء الإعلامي المتزن، وله تصريحات متعددة توضح ذلك وتكشف عنه، فقد كان يأخذ في الاعتبار المصالح والمفاسد، ويراعي تأثير كلامه على القضية الشيشانية، ولما سئل عن علاقته بابن لادن أجاب بأنه رآه يوم أن كان في أفغانستان وأن ذلك كان منذ ثمان سنوات، وأنه لم يره ولم يتصل به بعد ذلك.

رحم الله شهيد أرض الشيشان "القائد خطاب"، الذي أبلى بلاء حسنا وكبيراً في قتال أعداء الله في مواطن عديدة،
ويشاء الله عز وجل أن يكون موته على فراشه مسموماً... رحم الله خطاب وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وجمعنا به في مستقر رحمته.

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد

تأملات في وثيقة ترشيد العمل الجهادي


(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)

في شهر نوفمبر من عام 2007 م نشرت العديد من الصحف ووسائل الإعلام ما يسمى بـ(وثيقة ترشيد العمل الجهادي)، وقد قرأت الوثيقة، وتأملتها وأعدت النظر فيها أكثر من مرة منذ صدورها، ووجدت الناس تجاهها على طرفي نقيض، فمنهم من يقبل الوثيقة على علاتها لكونها صادرة عن منظر معروف وموثوق به وذا سابقة شهيرة في التنظير للعمل الجهادي، ومنهم من يردها جملة وتفصيلاً بحجة أنها انتكاسة عن طريق الجهاد وتنكب له، وأن ظروف كاتبها وكونه في السجن دفعته لكتابتها دون تجرد.

ورأيت أن (كلا طرفي قصد الأمور ذميمٌ) ، وأن العدل هو في التوسط والاعتدال، فالوثيقة في نهاية المطاف عمل بشري لا يخلو من الخطأ، ومبدأ (المراجعة) أو (المحاسبة) للنفس والعمل مبدأ شرعي مرغب فيه.

لهذا جاء هذا المقال لإبداء بعض الملاحظات على وثيقة ( د. فضل) الموسومة بـ( ترشيد العمل الجهادي) وردود الفعل التي أعقبتها ومن أهمها (كتاب التبرئة) للدكتور أيمن الظواهري.

وسوف يكون الحديث وفق النقاط التالية :
أ – ضرورة الترشيد .
ب – مضمون الوثيقة.
ج – ملاحظات عامة على الوثيقة .
د – مقتطفات مختارة من الوثيقة.
هـ – ردود الفعل.
و - توصيات حول ترشيد العمل الجهادي .
فإلى المقال ...

أ – ضرورة الترشيد :
إن الترشيد والمراجعة والنقد الذاتي أمور في غاية الأهمية، وذلك بغية التأكد من سلامة المسيرة وصحة التوجه، وهو واجب على كل التيارات الإسلامية أياً كانت مسمياتها، ومجالات عملها، كما أنها – أي المراجعة – متأكدة في الجانب الجهادي بشكل أكبر، لما يسببه الانحراف في هذا المجال من خطورة وآثار سلبية مدمرة .

وخصوصاً مع المعايشة اللصيقة لما حصل في الواقع الجهادي من أخطاء وتجاوزات في الوقت الراهن مما أضر بمفهوم الجهاد وشوه صورته، إضافة إلى ما ترتب على ذلك من خسائر مادية وبشرية، فكانت الحاجة ماسة إلى ترشيد العمل الجهادي، وتمييز ما يصح نسبته للجهاد الشرعي وبين ماهو دخيل عليه، حتى وإن فعل باسمه وتحت مظلته، ومن قبل بعض أبنائه المخلصين.

ب – مضمون الوثيقة :
* اسم الوثيقة : ( وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم )
* الكاتب : سيد إمام الشريف - يحمل اسمين حركيين في الأوساط الجهادية، هما الدكتور فضل والدكتور عبد القادر بن عبد العزيز، وهو منظر للتيارالجهادي وأستاذ أيمن الظواهري وأمير تنظيم الجهاد (المصري) في مرحلة من مراحله.
ويعتبر المنظر الرئيس للتيار الجهادي في المرحلة السابقة، ولاشك أن لمراجعاته أثر على أبناء هذا التيار مهما سعى المخالفون له للتقليل من أهميتها.
* الوثيقة : يستعرض (د.فضل) في هذه الوثيقة عدداً من الأدلة الفقهية والشرعية، و ينتهي بها إلى تحريم اللجوء إلى العنف، وأهمية عدم الخروج على الحاكم الظالم كما يستعرض في كتابه قضية ضبط العمليات الجهادية وفق المنظور الشرعي والدعوة إلى استمرار العمليات ضد القوات الأجنبية في العراق وأفغانستان .
وكان (د.فضل) قد عمل، منذ أن تسلمته مصر من اليمن عام ٢٠٠٤، على توحيد المراجعات الفقهية لقادة فصائل الجهاد داخل السجون، وبينهم نبيل نعيم وعبد العزيز الجمل وأنور عكاشة وآخرون، وبعد حواراته العميقة مع هذه القيادات بدأ في إعداد ( الوثيقة ) والتي تقع في 111 صفحة.

* يمكن تقسيم المادة التي تعرضت لها الوثيقة إلى الأقسام التالية :
1- توضيح بعض ما فهمه الناس عن (د.فضل) خطأً من خلال كتبه السابقة .
2 - الاعتذار والتراجع عن بعض الأفكار، والأساليب، والأحكام على الأشياء والأشخاص، وكأني به قد تبين له من خلال التجربة خطأ هذا الأسلوب وتلك الأفكار والأحكام ولكن بشكل غير صريح.
3 - نقد بعض الأخطاء والتجاوزات في العمل الجهادي مما كان ينكره ويفتي بخلافه سابقاً.

ج – ملاحظات عامة على الوثيقة :
· كتبت الوثيقة في أجواء تنقصها الحرية، ويشوبها الكثير من ضعف الثقة لكونها جاءت من وراء القضبان، وهذا من أسباب ضعف تأثير الوثيقة وسهولة مهاجمتها واتهام مصداقيتها.

· كتبت الوثيقة بروح غاضبة وبنفس متشنجة في الموقف من (القاعدة) و(جماعة الجهاد المصرية) مما أثر على النَفَس العام للوثيقة، وجعل القارئ يشعر بمجافاة الكاتب للإنصاف وأن ما يطرحه (د.فضل) إنما هو ردود فعل غاضبة، بروح انتقامية، تفتقد الموضوعية، مما أثر سلباً على مدى القبول لها، ولو خلت الوثيقة من هذا لكانت محل قبول عند عدد كبير من أبناء التيار الجهادي.

· كان من الأولى أن يكون لدى (د.فضل) من الشجاعة مايجعله يعترف بالأخطاء التي وقعت منه بصراحة ووضوح، ويعلن تراجعه عنها بدلا من التنصل منها تارة، واتهام الآخرين بسوء الفهم تارة أخرى، فإن الاعتراف – لو حصل- لكان أبرأ لذمته أمام الله، وأكثر قبولا عند خلقه، وهذا يشمل الأخطاء في الأحكام أو في الأفكار أو في الأسلوب، ومثاله : تجرئة الشباب غير المؤهل على التكفير وتنزيله على الأعيان .

· يظهر لي أن من أسباب الوثيقة محاولة الكاتب التخفيف عن المعتقلين والسعي في الإفراج عنهم ويظهر هذا في موضعين: أولهما : حين تحدث عن جواز الأخذ باليسر والرخصة الشرعية لرفع الحرج ودفع المشقة، وكان مما كتب هنا :( فلايجوز الإنكار على من أخذ بجواز الرخصة الشرعية خصوصا في الشدائد كما لايجوز للمسئولين في الجماعات الإسلامية أن يلزموا أتباعهم بالعزيمة إذا أرادوا الأخذ بالرخصة)، وثانيهما: في مبحث (السعي في فكاك أسرى المسلمين واجب) حيث قال: ( وفي هذا الزمان هناك من تسببوا في سجن المئات بل الآلاف من المسلمين بحماقاتهم والسجن بلاء .. فإذا قام من يسعى إلى فكاكهم الذي هو واجب عليهم أنكر عليه هؤلاء الحمقى وطلبوا منه السكوت فهل هذا إلا من الجهل بالدين ومن قسوة القلوب).

· يلحظ القارئ للوثيقة ضعفاً علمياً بيناً، فلم تخرج الوثيقة بتأصيل علمي قوي يتناسب مع حجم د.سيد إمام وكتاباته السابقة، ولعل السبب أنها كانت تهدف إلى مخاطبة قطاع كبير من الشباب الذين يهمهم الجانب الفكري في الموضوع أكثر من التأصيل الشرعي وأعتقد أنه سيكون مضطراً للرد العلمي على كتاب (التبرئة) للدكتور أيمن الظواهري وبخاصة أن الأخير أثار عدداً من التساؤلات وطلب الرد عليها.

· جاء ربط مسمى الوثيقة بـ(ترشيد العمل الجهادي في مصر) ليضفي عليها طابع من الخصوصية المناطقية، وأنها تهدف إلى تهدئة الأجواء وحل الاحتقان والتوتر الذي يقع في الساحة المصرية، ولاتخدم ترشيد الجهاد بشكل عام، ولو تناولت المسائل والنوازل الجهادية المجردة لكانت أثوى تأثيراً وأحرى بالقبول وبخاصة أن ممارسات النظام المصري في الحرب على الدعوة والعمل الإسلامي والتعامل مع اليهود لا تسمح بنجاح الدعوة إلى التهدئة .

· احتوت الوثيقة على مالا يمكن قبول تغيّر قناعة (د.فضل) به، مثل ( الاعتراف بشرعية النظام الحاكم في مصر)، ولعل من مسببات ذلك – وفق ما أراه – أن ذلك جاء على سبيل الإكراه والظرف الذي يعيشه داخل السجن، كما أنه قد يكون من أسباب ورود ذلك المثال ومايشابهه في الوثيقة : التخفيف عن بعض الموقوفين والتفريج عنهم بنوع من المداهنة أو المداراة لدرء المفسدة الكبرى بارتكاب الأدنى.

· في الوثيقة بعض التعميمات التي يشكو منها الدكتور في مؤلفاته السابقة مما قد يفهم على غير مقصوده.

· من الأخطاء الأساسية في الوثيقة أنها مبنية على فكر (د.فضل) السابق، فأصبحت تهدف إلى تبرير التناقض والاختلاف بين ماكان يقوله سابقاً ومايقوله حالياً، وكان الأولى أن تكون الوثيقة ترشيداً للعمل الجهادي القائم، من خلال دراسته في ضوء الأحكام الشرعية، ثم يمكن لـ (د.فضل) أن يبرر بعد ذلك ما كان مخالفاً لما يقوله به سابقاً.

د – مقتطفات مختارة من الوثيقة.
برغم ماسبقت الإشارة إليه من ملاحظات اتسمت بها وثيقة ترشيد العمل الجهادي، إلا أن الوثيقة احتوت على العديد من التقريرات والتنبيهات المهمة، والتي يحتاج إليها العمل الجهادي، ونسوق هنا بعض العبارات الواردة في ثناياها :

- [ الموقعون على هذه الوثيقة ... يذكرون أنفسهم وعموم المسلمين ببعض الضوابط الشرعية المتصلة بفقه الجهاد، ويعلنون التزامهم بهذه الضوابط الواردة بهذه الوثيقة، ويدعون غيرهم من المسلمين وبصفة خاصة الأجيال الناشئة من شباب الإسلام إلى الالتزام بها وألا يقعوا فيما وقع فيه من سبقهم من مخالفات شرعية عن جهل بالدين أو عن تعمد، فلا هم أقاموا الدين ولا أبقوا على الدنيا خاصة وأن الجهاد فريضة ماضية في أمة المسلمين منذ أن شرعه الله تعالى وإلى أن يقاتل آخرهم الدجال مع السيد المسيح في آخر الزمان كما أخبرنا بذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي وصف الجهاد بأنه (ذروة سنام الإسلام) إذ به يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم وبه عزتهم وكرامتهم في الدنيا والآخرة، ومن هنا لزم ترشيد فهم فريضة الجهاد ]

- [ لا يجوز لغير المؤهلين شرعياً من أفراد الجماعات الجهادية تنزيل ما في بطون كتب السلف من أحكام مطلقة على واقعنا الحاضر، فالنصوص الشرعية (الكتاب والسنة) وإن كانت ثابتة لا تتغير، إلا أن فيها خيارات تناسب كل واقع وحال، وهذا لا يدركه إلا خبير بالشرع ].

- [ كتب علماء السلف كتبهم لزمان غير زماننا، كان للمسلمين فيه دار إسلام وخلافة وخليفة وتميز بين الصفوف وبين الناس بعضهم بعضا، المسلمون في دار الإسلام والكفار في دار الحرب، وفي دار الإسلام يتميز الذمي عن المسلم في المظهر، كل هذا لا وجود له الآن واختلط الناس، وهذا من الواقع المتغير المختلف الذي يوجب الاحتياط عند الاطلاع على كتب السلف وعند الحكم على الناس].

- [ لا يجوز لغير المؤهل أن يقود مثله في عدم الأهلية لخوض صدامات باسم الجهاد، فإن الاحتياط في أمور الدماء والأموال في غاية الوجوب، وقد قال تعالى «يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا» ].

- [لقد رأيت بعض من لا يحسن الإجابة عن سؤال في فقه الصلاة أو الطهارة في حين أنه يفتى ويأمر بإهدار الدماء والأموال بالجملة. فهل يسوغ هذا في دين الإسلام؟]

- [لا تقبل قولاً أو فتوى من أحد خاصة في هذه المسائل الحرجة كالدماء والأموال إلا بحجة، والحجة هي الدليل الشرعي من كتاب الله تعالى أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم الإجماع المعتبر والقياس الصحيح].

- [التحذير من فقه التبرير، وقد كثر في هذا الزمان أن يستحسن إنسان أمرًا ما أو يرتكب حماقة ثم يبحث لها بعد ذلك عن دليل من كتاب أو سنة يبرر به حماقته ويدفع به اللوم عن نفسه، وهذا موجود في الأفراد والجماعات، ولن يعدم أحدهم أن يجـد شـبهة مـن دليـل، ولكنه فهمه وحمله على غير مراد الشارع كما قال تعالى «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا» ]

- [ فلولا الجهاد في فلسطين لزحف اليهود منذ زمن على الدول المجاورة، ولولا الجهاد في العراق لزحفت أميركا على سورية منذ زمن ولاستعبدت شعوب المنطقة، فلا يحل لمسلم أن يطعن في فرائض الشريعة كالجهاد وإرهاب الأعداء إذ بذلك يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم، فلسطين ].

هـ – ردود الفعل
جاءت ردود الفعل على صدور (الوثيقة) قوية ومباشرة وسريعة من عدد من أصحاب الاتجاه المخالف لمحتواها، وكلهم -حسب تقديري- عاملها بالنقد الصارخ مع ضعف في الموضوعية : الظواهري - أبويحيى – أبواليزيد – هاني السباعي.
وأعتقد أن سبب ذلك خوفهم من تأثيرها على أبناء التيار الجهادي وذلك لقوة تأثير ( د. فضل) العلمي وتاريخه الجهادي المعروف.
ومن أشهر ما كتب في الرد على (الوثيقة) كتاب د. أيمن الظواهري المسمى ( التبرئة).
وهاأنذا أسوق عدداً من الوقفات على كتاب التبرئة :
· حاول الكاتب أن يبتعد عن التجريح والعبارات الخشنة ما أمكنه ذلك لكنه لم يستطع في بعض المواضع وإن كان الغالب على الرسالة محاولة الهدوء والحرص على الموضوعية في النقاش والرد.

· ركز الكاتب على الملاحظات دون أن يعترف ببعض الجوانب الإيجابية في الرسالة، والتي من بينها ماسبقت الإشارة إليه في (إيجابيات في وثيقة الترشيد).

· حاد الكاتب عن الإجابة على بعض التساؤلات المحرجة ومنها : معصية أسامة للملا محمد عمر بالعمل في الخارج ، حيث حاد إلى ذكر تخطيط أمريكا لضرب أفغانستان وإلى الموقف المشرف الذي وقفه الملا محمد عمر، وتجاهل السؤال الذي طرحه(د.فضل) بشكل جلي في الوثيقة.

· ألزم الكاتب صاحب الوثيقة بلوازم لاتلزم وفهم عبارات الوثيقة بطريقة لعل الكاتب لم يقصدها.

· يلاحظ أن الظواهري لم ينتقد (د.فضل) في ثناء الأخير على (حزب الله) وكأن صاحب التبرئة يوافقه على ذلك.

· كما أن (د. فضل) انتقد كثيراً أداء القاعدة دون أن يعترف بأن جزءاً من تلك الأخطاء والانحرافات بسبب ماكتبه هو، فإن د. أيمن الظواهري كذلك قد وقع فيما وقع فيه (د.فضل) حين لم يعترف بتجاوزات القاعدة وأخطائها التي شوهت صورة الجهاد وأضرت ببعض المواقع الساخنة وأعطت الذريعة للأعداء للتدخل في البلاد الإسلامية، وهذا التنصل عن الاعتراف مما يضعف المصداقية في طرحه، مع أن الحديث عن الأضرار التي تترتب على بعض أعمال القاعدة ليست مما تفرد به (د. فضل) بل لقد شاركه كثيرون ممن لا يشك فيهم صاحب التبرئة مثل أبي مصعب السوري الذي كتب عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

· يلاحظ القارئ لكتاب التبرئة أن د. الظواهري قد اعتبر هذه الوثيقة - لكونها تنتقد القاعدة وتصرفاتها – اعتبرها تصب في خدمة المشروع الصليبي، وكان من ضمن ماقاله الظواهري: (فهذه التراجعات لم تكتب في ظروف القهر والسجن والخوف فقط، ولكنها كتبت بإشراف، وتوجيه، وتدبير وتمويل وإمكانات الحملة الصليبية اليهودية)!! وهو بذلك يغلق الباب أمام جميع الناصحين، ويعتبر أي نقد موجه للقاعدة وقوفاً مع الصليبيين في خندق واحد!.

· تأرجح الكاتب في نقده لصاحب الوثيقة فحيناً يجعل المسبب لكتابتها (الإكراه) وحيناً يتهم الكاتب في نيته، وأنه كتبها طمعاً في الدنيا، أو رغبة في الخروج من السجن.

و - وقفات حول ترشيد العمل الجهادي :
(1) واجب أهل العلم :
إن على أهل العلم الربانيين أن يتدخلوا لترشيد العمل الجهادي وإخراجه من دائرة التهارج بين التيارات المتباينة مابين تيار محبط يدعو للاستكانة والخنوع والاستسلام للعدو، وتيار متهور يعلن الحرب على كل من حوله من غير بصيرة بالهدي النبوي وظروف الواقع التي يعيشها والآثار السلبية المترتبة على كلا القولين فادحة تتجرعها الأمة في عدد من ميادينها وساحات العمل فيها.
وبخاصة أن الانحراف في مجال الجهاد له آثاره المتعدية والفتاكة مابين تشويه صورة الجهاد وإعطاء العدو الفرصة للتخذيل عنه وإساءة فهمه من قبل المخاطبين به من أبناء الأمة الإسلامية إلى تسويغ التدخل الأجنبي في البلاد الإسلامية وإيجاد الذريعة لذلك .
ولذا يجب التصدي لهذا الانحراف بكل قوة حتى لو أدى إلى خسارة بعض الفئات المتهورة وتحذير الأمة من مسلكها وأنها لا تمثل المشروع الجهادي .

(2) التحفظ غير المشروع :
قد يتحفظ بعض المخلصين عن نقد التيار الجهادي، ويعد ذلك صورة من إعانة الأعداء و تخذيل المجاهدين، وهذا في نظري نقص في التصور وبعد عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الترشيد، فإن الانحراف الموجود لدى بعض أبناء التيار الجهادية ( مثل العمل في البلاد الإسلامية واستهداف المخالفين من أهل السنة) أضر على الجهاد وعلى أهل السنة مما يقوم به الأعداء الصرحاء.
ومع تقديري لورع هؤلاء المخلصين المتحفظين على نقد التيار الجهادي ونصحهم ورغبتهم في الخير إلا أن منهج القرآن والسنة أولى بالاتباع، والحق أحب إلينا من كل حبيب.
إن السكوت عن هذا الانحراف مع كثرة التجاوزات هو في الحقيقة ضرب من الخيانة للعمل الجهادي ومحاباة للناس على حساب الشرع ، وتضييع لمصلحة الأمة وهو سبب للفشل والهزيمة.
وإن الداعين إلى ترشيد العمل الجهادي هم أنصار الجهاد الحقيقيين وهم الأكثر غيرة على واقعه ومستقبله، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي يرويه أنس رضي الله عنه "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره" أخرجه البخاري.
ولقد كان من منهج القرآن والسنة : نقد المخطئين علانية والتبرؤ من عملهم، ولم يجامل القرآن الكريم خيار هذه الأمة من الصحابة، بل لامهم وعاب عليهم فعلهم عندما وقع منهم الخطأ في معركة أحد، إذ يقول تعالى (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)، فإذا كان القرآن لم يجامل خيار هذه الأمة، فكيف لنا أن نسكت عن أخطاء من دونهم؟.

(3) عدم الترشيد سبب للفشل والهزيمة:
إذا كانت الهزيمة في معركة أحد تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم بسبب معصية الرماة (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنىّ هذا؟ قل: هو من عند أنفسكم)، وإذا كان الصحابة الكرام تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم قد عوقبوا بالهزيمة والقتل والجراح في (أحد) بسبب معصية بعضهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف سيكون أثر هذه التجاوزات الكبيرة التي تقع من بعض المجاهدين اليوم؟
وهل يمكن أن يتنزل النصر والحالة هذه؟ إن الله تعالى قد وعد المؤمنين بالنصر، ولكن ذلك مرهون بأن يحقق المؤمنون في أنفسهم شرط هذا الوعد الرباني ، وإلا فسوف تجري عليهم سنن الله تعالى التي لاتحابي أحداً، مع كثرة عدوهم وكثرة عدته، وقلتهم وقلة عتادهم .

(4) التجاوزات المنهجية:
إن ما يقع الآن من تجاوزات وانحرافات من قبل المنتسبين للتيار الجهادي ليست من الأخطاء العارضة التي تقع دون قصد، ولكنه بات منهجاً مطرداً له سمات ومعالم تميزه عن غيره، ومن تلك السمات: انتهاك حرمة المخالف، واستباحة دمه، والتساهل في شأن الدماء بعامة، والإسراف في القتل تحت ذريعة التترس، والغلو في الحكم على الآخرين من المجاهدين والعلماء والدعاة، والتهاون في التكفير، وتنزيل الأحكام على الأعيان من غير مراعاة لضوابط أهل العلم في ذلك، وتقع هذه الأخطاء بشكل منتظم، وتتكرر دون إنكار أو محاسبة.

وختاماً ..

أرجو أن أكون قد أوصلت للقارئ الكريم عموماً، ولأبناء التيار الجهادي خصوصاً رسالة مهمة، وهي ضرورة ترشيد العمل الجهادي، وتصويبه، وتقويمه، ومعالجة الأخطاء و الانحرافات حين وقوعها، بالعودة إلى الكتاب والسنة، والتأمل في السيرة النبوية الشريفة، وسير السلف الصالح، طمعاً في تحقيق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، والسير على منهاجه، وتحقيق النصر لهذا الدين، والرفعة لهذه الأمة المباركة.
وأن من الواجب علينا قبول الحق ممن جاء به، ولا يصدّ عنه كونه صادراً ممن عرف عنه القول بخلافه سابقاً، فإنه لا يبطل الحق سبق المخالفة له، ولا يبطل الحق أن ينطق به المرء في ظروف وأحوال غير مناسبة، فالحق أحق أن يتبع أياً كان قائله، فهو ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها .

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد

وقفات مع حصار غزة

( أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه )

بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن ما حدث في قطاع غزة من حصار جائر وقصف مستمر أمراً جديداً على السياسة الصهيونية، فإن الغاية عندهم تبرر الوسيلة تنظيراً وتطبيقاً.
وحصار غزة وإن كان مستمراً منذ زمن طويل، لكن الصهاينة قد ضاقوا ذرعاً بكل النجاحات التي حققتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ووصولها إلى حكم الأراضي الفلسطينية، ومن ثم حاولوا إسقاط هذه الحكومة من الخارج والداخل، والتضييق عليها، وإيقاف تدفق البضائع والأموال والأدوية والنفط، بحصار مشدد، باتت فيه غزة تختنق شيئاً فشيئاً، فكان نسف أجزاء من السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة و مصر من قبل بعض الفلسطينيين بمثابة طوق نجاة تمكن من خلاله الفلسطينيون من الدخول إلى مصر والحصول على الأطعمة والألبسة والعلاج إضافة إلى البنزين وغيره من المحروقات التي تمكنهم من صنع طعامهم، وتسيير الأجهزة الطبية التي تتوقف عليها حياة المرضى والمصابين من جراء القصف اليومي للطائرات الإسرائيلية.
دلائل ومنارات:
لقد أبانت هذه الأحداث الماضية مجموعة من الدلالات التي يجدر الوقوف عندها.. وها أنا أسوقها مرتبة كما يلي:
* أوضحت الأحداث أن أصحاب المبادئ الأقوياء لا يبالون بما يقوله العالم كله عنهم، بل يسيرون وفق ما يحقق مصالحهم الذاتية دون النظر فيما يتسبب فيه ذلك من أضرار على الآخرين، ولهذا نرى هؤلاء اليهود يخالفون كل الأعراف والمبادئ والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
* أوضحت الأحداث أن التنظير والتطبيق أمران مختلفان جداً، وأن المعايير المستخدمة في الأمور الدولية هي معايير غير عادلة بحال، فهانحن نرى إيران – على سبيل المثال - تطالب بحقوق الأقليات الشيعية في الخليج ولكنها بالمقابل تمنع بناء أي مسجد لأهل السنة في العاصمة طهران، برغم أن أعداد الإيرانيين من أهل السنة بالملايين، وهاهو (الغرب) الكافر الذي طالما تشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وتغنى بهما في كل ناد، إلا أنه ومن خلال أقواله وأفعاله يضرب بهذه الحقوق عرض الحائط حين يكون الطرف المظلوم مسلماً، فهاهو يسكت عن الانتهاكات اليهودية في فلسطين، وعن الانتهاكات الروسية في الشيشان، وعن ألوان أخرى من الانتهاكات التي تمارسها الكثير من دول العالم تجاه رعاياها المسلمين.
* أوضحت الأحداث أن الآلة الإعلامية لها أكبر الأثر في تهييج الرأي العام وتشكل مواقفه، فاليهود وهم الجناة الظالمون يبدون لكثير من دول العالم وشعوبها وكأنهم أصحاب الحق، وأنهم يعيشون تحت التهديد المستمر من صواريخ القسام، وذلك لما يملكونه من ترسانة إعلامية ضخمة، ونفوذ واسع في دول الغرب جعل الناس يتحاشون الحديث عنهم أو نقدهم، ومن صنع ذلك فإنه عرضة للاتهام بالعداء للسامية والتلوث بالعنصرية، مما يدفع المتحدث للاعتذار لهم على الملأ.
* يجب أن لانخدع بما يطرحه العدو في وسائل إعلامه من أنه قد هُزم أمام حركة حماس أو أمام الفلسطينيين، سواء في حديثه عن قطاع غزة أو سواه، لأنه وإن اعتبرها هزيمة وخسارة، فإن ذلك ينطلق من طموحاتهم ومخططاتهم الكبيرة، فهم يطمحون لاستذلال جميع الفلسطينيين فإذا تمردت طائفة منهم مهما كانت صغيرة اعتبروا ذلك نوعاً من الهزيمة والخلل الذي يجب تداركه.
* يجب على المسلمين أن لايخدعهم بعض مايصرح به اليهود من تحقيق حماس أو المقاومة الفلسطينية لبعض النجاحات، فإن ذلك عند الانشغال به قد يدفع للفرح والاستبشار – وهما أمران مطلوبان – والغفلة عن منجزات العدو ونجاحاته التي طغت في كل الميادين، وقد يكون تلك التصريحات صورة من صور الخداع والحرب الإعلامية، والتي تهدف إلى إشعار المسلمين بالنصر، فيسكنوا ويناموا فلا يستيقظوا لمساعدة إخوانهم ومدافعة عدوهم، ومثل هذا ما يصدر عن الأمريكان في العراق و أفغانستان بين الفينة والأخرى، إذ أنها في غالب الأحيان تكون للمقارنة بين الطموح والواقع فحسب.
* أظهرت هذه الأحداث تمايزاً واضحا في الصفوف، وكشفا للمتاجرين بالقضية الفلسطينية، ولذا وقف هؤلاء المتاجرون في خندق الأعداء إما بصورة إيجابية أو سلبية، والنتيجة متقاربة، فمنهم من أعان العدو ومنهم من منع الصديق من إيصال الإعانة، فكلاهما في خندق واحد.
* أبانت هذه التحديات الكبيرة ضرورة الاجتماع والوحدة، وأن التفرق هو المناخ المناسب الذي يتحرك فيه العدو لكسب جولات جديدة في الصراع الدائر على كافة المستويات وفي شتى الميادين، وأنه لابد من التنازل والتطاوع بين المؤمنين والاجتماع ولو على المفضول طمعاً في تحقيق الوحدة.
* أوضحت الأحداث ضرورة إحياء مفهوم الولاء والبراء فالمؤمنون إخوة، وهم أولياء بعض، كما أن الكفار أولياء بعض في جميع الأزمة والأمكنة، قال تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)
* دلت هذه الأحداث على نجاح حملة العداء فيما يسمى (مكافحة الإرهاب) فمع وضوح الظلم والعدوان الذي يمارس على أهالي غزة، إلا أن إخوانهم وقفوا شبه مشلولين، وكان الأمر لا يعنيهم خوفا من أن يصنفوا ضمن دائرة الإرهاب، مع أن ظلم العدو في هذه الحالة بين وواضح لكل ذي عينين.
* كانت ولازالت هذه الأحداث الصارخة فرصة لتحريك الأمة لصالح قضية فلسطين ولصالح الجهاد بشكل عام، وكشف أعداء الأمة من الأمريكيين على حقيقتهم الصليبية، وتنكبهم لشعاراتهم الداعية إلى إعطاء الإنسان حقوقه الأساسية، مقابل إرضاء حفنة من اليهود تعيث في الأرض الفساد.
* إن ما يجري في غزة امتحان للمؤمنين من أهل فلسطين وخارجها، وعلى كل أحد أن يري الله من نفسه خيرا، كل بحسبه، فكما أن الله ابتلى أهل فلسطين بمصاولة اليهود ومنازلتهم، فقد ابتلانا نحن في مناصرتهم والوقوف معهم والشعور بالجسد الواحد، فهل ننجح في هذا البلاء؟.
* كشفت الأحداث مدى تمسح إيران الصفوية الرافضية بالقضية الفلسطينية، فلم يظهر لإيران أي دور في هذه الأزمة الخانقة التي يمر بها أهالي غزة الصامدة.
وسوف أبعث هاهنا بعدد من الرسائل، آمل أن تصل إلى المعنيين بها، وأن ينفع الله بها، وأن تكون لبنة في مشروع نصرة إخواننا هناك :
الرسالة الأولى: لإخواننا المحاصرين في فلسطين وقطاع غزة:
1 - عليكم أن تتذكروا أن ما يصيبكم من مصائب الجوع والقتل والجرح ونقص الأموال والثمرات إنما هو ابتلاء من الله وسنة من سننه تعالى، وقد حصل ذلك لمن هو خير منكم، ولتتذكروا حصار المسلمين الأول في شعب بنو عامر، حيث حوصر سيد الأنام وأصحابه وآله، واشتد عليهم الحصار واستمرت المعاناة واشتدت وطأة الجوع على رسول الله وأصحابه حتى أكلوا ورق الشجر وأكلوا الميتة والجلود، وكانت وطأة الجوع أشد على الأطفال والرضع الذين لم يجدوا حتى حليب الأمهات ملاذاً، فتذكروا ذلك جيداً ليعينكم على الصبر والسلوان.
2 - راجعوا أنفسكم وصححوا منهجكم وعلاقتكم بربكم، فإن الله تعالى يقول ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهاهو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب يقول لجيشه وهو يودعه : ( احذروا الذنوب والمعاصي فإنها أخوف عليكم من عدوكم).
3 – أحسنوا الظن بالله تعالى، وذلك مع الحرص على استكمال أسباب النصر والفرج، فقد وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالنصر والتمكين وحسن العاقبة ووعده لايخلف، يقول تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون) ويقول (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)
4 – أروا الله من أنفسكم خيراً في التكافل فيما بينكم والرحمة والشفقة من بعضكم لبعض، وقد أشاد النبي صلى الله عليه وسلم بالأشعريين كما في البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري إذ يقول صلى الله عليه وسلم (إن الأشعريين إذا أرملوا (أي فني زادهم) في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموا بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم منى وأنا منهم) أفلا ترضون أن تكونوا ممن قال عنهم رسول الهدى ( فهم مني وأنا منهم ).

الرسالة الثانية : لأعضاء الحركات الجهادية في قطاع غزة:
1 – على الإخوة في حماس أن يشركوا جميع الصادقين من أبناء الشعب في إدارة المجتمع ويمنحوهم الفرصة للمشاركة في البناء بغض النظر عن انتمائهم الحزبي، وليترفعوا عن الجانب الحزبي الذي قد يطغى على بعض المتحمسين من أبناء حماس، كما يجب عليهم أن يحرصوا على أن تكون المكتسبات لصالح الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية من ورائه وليس لصالح الحركة فحسب، ويجب أن يخضع أفراد حركة حماس إلى كافة الأنظمة والقوانين العامة التي يخضع لها جميع أفراد الشعب الفلسطيني وأن لا يتميزوا عن غيرهم كما تفعل الأنظمة العربية الحزبية.
2- على الإخوة في الجهاد الإسلامي الفلسطيني أن يسعوا لإنجاح تجربة حماس لصالح الشعب الفلسطيني ولا يحملهم اختلاف الانتماء الحزبي إلى الركون للسلبية وترك حماس وحدها في مواجهة التحديات فضلا عن المشاركة في إفشالها، مما يضر بمصلحة الشعب الفلسطيني ويتسبب في دعم القوى العلمانية ومن ورائهم اليهود.
3- على قيادات الشعب الفلسطيني أن يقوموا بدراسة جادة للخطوة الجريئة التي تمت لكسر الحصار وذلك لدراسة كيفية المحافظة على تلك المكتسبات التي حصلت من غير أن ينتج عنها آثار سلبية أو أن تكون استدراجاً من العدو.
4- كشفت أحداث غزة الأخيرة عن موقف السلطة المخزي تجاه ما يحدث للمحاصرين في قطاع غزة، وتعرت السلطة الفلسطينية عن كل ما تستر به خيانتها وعمالتها لليهود، وآن للشعب الفلسطيني والمخلصين من منظمة التحرير أن ينفضوا أيديهم منها ويتبرؤوا من خياناتها فهذا هو الواجب الشرعي والوطني في آن واحد.
5- على الإخوة في (القاعدة) إن أرادوا العمل في فلسطين أن ينضموا إلى أحد الفصائل الفلسطينية ولا يبادروا إلى إنشاء عمل مستقل بهم، وذلك حتى لا تزداد الفرقة والتشرذم، وبخاصة مع الدعوات المتكررة التي أطلقها قادة القاعدة والتي تدعو فيها إلى الوحدة واجتماع الصف.

الرسالة الثالثة: للعلماء والدعاة:
إن عليكم أن تقوموا بدوركم في نصرة إخوانكم والوقوف معهم بكل ما تستطيعون من ألوان الدعم المالي والنفسي، وعليكم دعوة الأمة جمعاء للوقوف مع إخوانهم، وفضح حال الأعداء وتآمرهم على الأمة، ولتعيدوا لنا تاريخ علماء الأمة العظام الذين سجلوا مواقف مشرفة حفظها لهم التاريخ وارتفع قدرهم بها.
ومن البرامج العملية في هذا المجال مايلي:
1 - أن يقوم العلماء بتشكيل اللجان الشعبية لجمع التبرعات لصالح إخوانهم في فلسطين( مثل ماقام به الشيخ سفر الحوالي).
2 – أن يتواصل العلماء مع إخوانهم من العلماء والسياسيين في فلسطين ويثبتوهم ويناصحونهم، وأن يشاركوا في الدعم المعنوي للشعب الفلسطيني من خلال وسائل إعلامه المرئية والمسموعة بحيث يكون لهم حضور إعلامي مشجع.
3 – أن يتدخل العلماء لجمع كلمة الصداقين من أبناء الشعب لفلسطيني على اختلاف انتمائهم الحزبية بحيث يكون لهم رؤية وموقف موحد مما يجري على الأرض.
4 – أن يتداعى العلماء في العالم الإسلامية لدراسة الحالة الفلسطينية بكل أزماتها ومحاورها دراسة واقعية شرعية سياسية ويخلصوا إلى التوصيات التي تحقق مصلحة الأمة، ومن تلك المسائل المهمة : الموقف من السلطة بتصرفاتها الخيانية، الموقف من الاستمرار في المقاومة وصورها ومدى تحقيق ذلك للمصلحة الشرعية وانسجامه مع مقاصد الشريعة، مدى إمكانية تجييش عموم المسلمين للقتال في فلسطين.

الرسالة الرابعة: للإعلاميين والكتاب والخطباء:
إن عليكم أن تقوموا بمسؤولية الكلمة والبيان وأداء الأمانة في المنابر التي اعتليتموها، والمناصب الإعلامية التي تسنمتموها، وذلك بنقل معاناة إخوانكم للعالم كله، والدفاع عن حقوقهم، وكشف تجاوزات الأعداء وبيان عداواتهم وكذب شعاراتهم الزائفة التي يتنادون بها.

الرسالة الخامسة: إلى عموم المسلمين:
أيتها الشعوب الإسلامية: لقد استطاع إخوانكم في غزة كسر الحصار المضروب عليهم من قبل اليهود والمتواطئين معهم، فهل يمكنكم كسر الحصار عن أنفسكم؟، ذلك الحصار الذي يمنعكم من دعم إخوانكم والوقوف معهم، والاستجابة لنداءات العلماء بالدعم المالي لإخوانكم في فلطين، حتى وإن سخطت يهود والصليبية ومن ورائهم من أذنابهم في المنطقة.
إن كسر ذلك الحصار الواقع على الشعوب يحتاج إلى رأي شعبي عارم، وانطلاقة نحو التنفيذ، مثل ذلكم التواطؤ الذي حصل في كسر حصار غزة، ولن تكون تضحياتكم في هذه الخطوة بأكثر من تضحيات إخوانكم في فلسطين.
وعليكم الوقوف بشكل جاد وواضح وعملي مع إخوانكم هناك، فقد وقف عباد الصليب وحملة رايتهم مع إخوانهم اليهود في خندق واحد، ودعموهم عسكريا وماديا وسياسيا فهل تعجزون عن الوقوف مع إخوانكم بعيدا عن سلطات الأنظمة التي لها حساباتها الخاصة المختلفة عن حساباتكم ؟
إن الدعم المادي والدعاء الخالص (ومنه قنوت النوازل في الصلوات) والدعم الإعلامي بالمشاركة في البرامج الحوارية المباشرة، ورسائل الجوال، والرسائل عبر الفضائيات.. ذلك بعض ما تملكونه لدعم إخوانكم فهلا قمتم بذلك.
أعتقد أن الشعوب لم تقترب من الخطوط الحمراء التي وضعتها الأنظمة للتحرك في دعم القضية الفلسطينية بل إنه وفي بعض المواقف كانت بعض الأنظمة أكثر جراءة من الشعوب في الإعلان عن مواقفها تجاه الإخوة في فلسطين.
فاتقوا الله وقوموا بما تستطيعون في نصرة إخوانكم في فلسطين، واسعوا بكل إمكاناتكم لفك الحصار عنهم ودعمهم، وإعانتهم على قتال عدوهم، ونصرتهم بالكلمة الصادقة، والدعاء الخالص لهم.

وصلى الله على نبينا محمد
تم تحريره في الخامس من شهر صفر لعام 1429هـ

وقفات وملاحظات على كلمة الشيخ أسامة التي بعنوان (السبيل لإحباط المؤامرات حول العراق ودولة العراق الإسلامية)

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)

كنت قد كتبت في مقال سابق تحليلاً لكلمة الشيخ أسامة ابن لادن (إلى أهلنا بالعراق) والتي جاءت هادئة – خلافاً لكلماته السابقة- وذكرت في ذلك المقال أن هذا الهدوء الذي اتسمت به الكلمة نابع عن بعد الشيخ عن المؤثرات المحيطة به مما جعله يعود إلى طبيعته الهادئة ولسانه العفيف .

وقد جاءت هذه الكلمة الأخيرة صاخبة صارخة لتؤكد هذا التحليل، فقد رجع الشيخ إلى المؤثرات بشكل أكبر، وبتركيز أكثر، فجاءت كلمته حبلى بما كان يردده دوماً د.أيمن الظواهري (حماس والإخوان، الإخوان وحماس..) وحفلت الكلمة بعدد من المسائل التي يظهر فيها التأثير الواضح للفكر الجهادي المصري مثل (الغلو في التكفير، الحكم على المخالفين وتضليلهم، استهداف بلاد الحرمين بكل مافيها من علماء ودعاة رسميين وغير رسميين).

* ملاحظات عامة على الخطاب:
1 - توقيت الخطاب: هذا الخطاب هو السادس خلال أربعة أشهر بعد غياب طويل، مما يعني أن الشيخ – بحمد الله- قد أصبح في منطقة آمنة بحيث يمكنه التواصل وإصدار البيانات المتكررة، راجياً أن لا تكون هذه المنطقة (إيران) حتى لا يفجعنا بنفسه ولا يشمت بنا الأعداء.

2 - سبب الخطاب:
جاء هذا الخطاب ردة فعل للخطاب السابق (إلى أهلنا في العراق) الذي أغفل الشيخ فيه ذكر دولة العراق الإسلامية، مع كونه خطابا موجها لأهل العراق ! كما اعترف في ذلك الخطاب السابق بالأخطاء التي وقعت والاختراق الحاصل في صفوف القاعدة إلى غير ذلك من الحقائق التي أغضبت القاعدة في العراق وبخاصة بعد أن ظهرت ردود الفعل على شبكة الإنترنت التي استغلت خطاب الشيخ في التأكيد على الأطروحات السابقة المتكررة التي تنكر على القاعدة أعمالها وتجاوزاتها في العراق، ومن بينها إعلان الدولة.

ولهذا يبدو - من النظر في موضوع الخطاب وتوقيته - أن هناك من طلب من الشيخ أن يصلح ما أفسده عليهم بخطابه السابق، وما أثاره من شكوك بشأن رضاه عن دولة العراق الإسلامية وتزكية القائمين عليها، فجاء هذا الخطاب مخالفاً لما ذكره في خطابه السابق مع أنه ليس بين الخطابين إلا فترة يسيرة لا يمكن أن يكون قد حدث فيها تغيير كبير على أرض الواقع، بحيث يبني الشيخ عليه تغييراً في الأحكام والمواقف.

3 - مصادر المعلومات:
يتضح من سياق الخطاب أن الشيخ التقى بأشخاص نقلوا له رؤية القاعدة لما يجري في العراق، وهذا هو سر التفصيلات التي طرحها الشيخ في الشأن العراقي ومحاولة الرد على الشبهات التي أثيرت حول إعلان الدولة .. مما هو تكرار لما تقوله دولة العراق الإسلامية وتبرر به موقفها.وقد يكون التقى ببعض أبناء بلاد الحرمين بحيث نقلوا له تصورهم عن موقف العلماء والدعاة من دولة العراق الإسلامية، وتأثير ذلك الموقف على القبول الشعبي بتلك الدولة.

4 - فكرة الخطاب وصياغته:
في حال اقتطاع مايتعلق بالتجربة الأفغانية السابقة من الخطاب فإنه يصبح ذا فكرة يسيرة مفادها (دعم وتأييد دولة العراق الإسلامية والهجوم على مناوئيها) فحسب، وفي الخطاب تكرار لهذا الأمر بأكثر من هيئة. كما تتسم صياغة الخطاب -بعامة- بنوع من الضعف وحصول التكرار في الأفكار والألفاظ والاستطرادات في مواضع مع الإيجاز والغموض في مواضع أخرى خلافاً لعدد من خطاباته المتقنة السبك.

* جوانب إيجابية في الخطاب:
1 - التحذير من المؤامرات التي تهدف لسرقة ثمرة الجهاد :
يقول الشيخ :(حديثي هذا إليكم عن المؤامرات التي يحيكُها التحالف الصهيوني الصليبي بقيادة أمريكا بالتعاون مع وكلائها في المنطقة لسرقة ثمرة الجهاد المبارك في أرض الرافدين ، و ما الواجب علينا لإفساد هذه المؤامرات).

2 - الدعوة للوحدة بين المجاهدين:
إذ يقول الشيخ:(أؤكد أن من أعظم الواجبات هو أن تتحد جهود جميع المجاهدين الصادقين مع بعضهم البعض ، لتقف صفاً واحداً تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وتعمل جاهدةً لإفشال جميع مؤامراتهم).

3 - التحذير من التوسع في قتل الأبرياء الذين يكونون قريبين من العدو:
حيث يقول:(أؤكد على إخواني المجاهدين بأن يحذروا من التوسع في مسألة التترس ويحرصوا أن تكون عملياتهم لاستهداف العدو منضبطة بالضوابط الشرعية بعيداً عن المسلمين ما أمكنهم ذلك دون أن يُعطَّل الجهاد في سبيل الله).

4 - النقد الصريح لحزب الله:
فهاهو الشيخ يقول عن أمين الحزب:(لكن الأمين العام حسن نصر الله يستغفل الناس وقام ورحب بها – أي بالقوات الدولية في لبنان - على الملأ ووعد بتسهيل مهمتها رغم علمه أنها قادمة لحماية اليهود وإغلاق الحدود أمام المجاهدين الصادقين , فقد فعل هذه الطوام نزولاً عند رغبة الدول الداعمة صاحبة الأموال النزيهة الشريفة التي تَحَدَّثَ عنها من قبل).

5 - بيان أهمية الخلافة ومسيس الحاجة إليها:
إذ يقول الشيخ: (فكما أن من الواجبات العظام السعي لتوحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد فإن القعود عن ذلك كبيرة من الكبائر العظام أيضاً فإن الدين لا يكون كله لله , ولا تأمن السبل ولا تُقمع الفتن ولا يُستتب الأمن ولا تُحبط المؤامرات ولا ينضبط كثيرٌ ممن انضموا إلى الجماعات المجاهدة من عامة أبناء الأمة و إلى ما هنالك من أمور عظام إلا إذا كان للمسلمين جماعة وإمام).

* وقفات مهمة حول بعض النقاط الرئيسية في الخطاب :

1- حمل الشيخ في خطابه بشدة على كثير من الفصائل الجهادية خلافاً لخطابه السابق، ففي الخطاب يقول : (يسعون لإغواء الجماعات المجاهدة في العراق ، فيغضوا طرفهم عن أعضاء بعض الجماعات لتتحرك في دول الخليج باطمئنان لتأخذ الدعم .. وإن المرء ليعجب أشد العجب كيف ضيعت هذه الزعامات الأمانة التي في أعناقها وذهبت تضع يدها في يد أحد أَلَدِّ أعدائها) ويقول : (فكيف وأنتم ترون أحزاب أو فصائل و هيئات فيها شيوخ كبار تنتمي إلى أمتنا تفتن وتتساقط عند أبواب سلاطين نجد) ويقول : (ولو أن قادة دولة العراق الإسلامية وضعوا أيديهم في يد أي دولة من دول الجوار لتكون لهم ظهراً وسنداً كما فعلت بعض الجماعات والأحزاب لكان الحال غير الحال).

2 - نادى الشيخ القواعد والأفراد والقيادات الفرعية من أجل شق عصا الطاعة على قادتهم!، والانضمام للقاعدة، إذ يقول : (فيجب على أعضاء الحزب الإسلامي وتلك الفصائل المقاتلة, أن يتبرؤوا من قادتهم ويصححوا مسار أحزابهم وجماعاتهم , فإن تعذر ذلك فليعتزلوا هذه القيادات المنافقة ، وليلتحقوا بالمجاهدين الصادقين بأرض الرافدين) ويقول : (إن السعي لإقامة جماعة المسلمين الكبرى يتعين على آحاد المسلمين والمجاهدين وذلك بأن يبايعوا أكثر الطوائف التزاماً بالحق و اتصافاً بالصدق ...وإن من يراقب حملات الكفر العالمي و المحلي يرى أنها تستهدف بالدرجة الأولى دولة العراق الإسلامية ... وما أحسب كل هذه الحملات الشرسة على المجاهدين في دولة العراق الإسلامية إلا لأنهم من أكثر الناس تمسكاً بالحق و التزاماً بمنهج رسول الله صلى عليه وسلم)، ويقول: (خلاصة القول في هذا الأمر يجب على الأخوة المجاهدين ولاسيما في مجالس الشورى ألا يستسلموا لأعذار أمراء الجماعات لتعطيل الوحدة والاجتماع).كما نادى المنتمين لحركة حماس لتغيير مسارها إذ يقول : (وللعقلاء أن يعتبروا بما آلت إليه قيادة حماس ، حيث أضاعت دينها ولم تَسْلَم لها دنياها) ثم يناديهم قائلاً : (فهلا قام الصادقون في حماس ليصححوا مسارها ؟!)، والسؤال هنا : هل يقبل الشيخ توجيه النداءات إلى أفراد القاعدة ودولة العراق الإسلامية لترك قياداتهم والتمرد عليهم واللحاق بصفوف الفصائل الجهادية الأخرى تحت مسمى "تصحيح المسار"؟

3- يلاحظ أن الشيخ قد استخدم تصنيفاً جديداً للمجاهدين، حيث أكثر من جملة (المجاهدين الصادقين) وهو يعني بطبيعة الحال أنه هناك فئة من المجاهدين غير الصادقين، مع أنه في الخطاب ذاته انتقد تقسيم المقاومة إلى مقاومة شريفة وأخرى غير شريفة، كما أن السامع لخطاب الشيخ والقارئ له سيفهم من الخطاب أن مجاهدي القاعدة هم المجاهدون الصادقون، وأن البقية خلاف ذلك.

4 - انتقد الشيخ (الدعايات المغرضة على دول العراق الإسلامية) ولم يذكر الشيخ في خطابه نماذج لتلك الدعايات المغرضة عن الدولة الإسلامية برغم أنه أكثر من التنفير من تلك الدعايات، وبطبيعة الحال فالشيخ لا يعني بتلك الدعايات ما سبق للشيخ نفسه الإشارة إليه في خطابه السابق من ألوان الخلل الواقع في صفوفها.

5- في ثنايا كلام الشيخ تحدث عن (الجماعات المقاتلة التي تناصر أمريكا) وهاهنا يتبادر سؤال تلقائي: إذا كانت تلك الجماعات المقاتلة لا تقاتل أمريكا بل تناصرها، ولا تقاتل الرافضة، ولا الجيش ولا الشرطة – وفقاُ لخطاب الشيخ - فأي قتال تخوضه تلك الجماعات إذاً ؟

6- تكرر في خطاب الشيخ وفي مواضع متعددة إطلاق لفظ الكفر والردة، فهاهو يقول: (فليعتزلوا هذه القيادات المنافقة)، ويقول: (وبعض الجماعات المقاتلة تناصر أمريكا على المسلمين ، وذلك كفرٌ بواح وردة صراح) ويقول: (فالذين بقوا مع القادة كسياف ورباني في كابل يناصرونهم ضد المسلمين بعد كل الذي حصل هؤلاء قد ظاهروا الكفار على المسلمين وذلك ناقضٌ من نواقض الدين وليس بعذر لهم حسن ظنهم بالقادة فيجب عليهم أن يفتشوا قلوبهم ويتبرؤوا من الشرك وأهله ويدخلوا في الإسلام من جديد) ويقول: ( فهذا سياف كان أبرز قادة المجاهدين وكان مِلء السمع والبصر واسم حزبه الاتحاد الإسلامي ثم أعان أمريكا على المسلمين وذلك كفرُ بواح) ولست هنا في معرض الدفاع عن سياف أو غيره لكنني هنا أتوقف مع كثرة عبارات "الكفر" و"الردة" فحسب، كما أن الخطاب احتوى على عبارات أخرى كعلماء السوء ورجال الطاغوت، فهو يقول في خطابه (واستعانت الرياض ببعض رجالها من العلماء غير الرسميين ، حتى يتيسر لهم اختراق صفوف المجاهدين , وهؤلاء كانوا من الخطباء المؤثرين المحرضين للناس على الجهاد ، ويحضرون الأموال الطائلة لقادة المجاهدين... وعندها ظهروا على حقيقتهم بأنهم علماء سوء ورجال الطاغوت) ويقول: (يتم تمرير الدعم باسم جمع التبرعات من بعض العلماء و الدعاة غير الرسميين , وكثير منهم في حقيقتهم رجال موالون للدولة يسعون في تحقيق سياستها في العراق ، بسحب البساط من تحت أقدام المجاهدين الصادقين)، ونحو تلك العبارات الخطيرة، والتي قد يبني عليها بعض الأتباع نتائجاً بالحكم على أشخاص محددين بالردة والكفر، ومن ثم يرون استحقاقهم للقتل، فمثل هذه الإطلاقات العامة قد تورد أمثال تلك الموارد .

7 - اتسمت صياغة الخطاب بالتجريح والاتهام والتلويح بصفات عمومية يمكن أن يطبقها الأتباع على عدد كثير من الأشخاص ممن ليسوا مقصودين من خطاب الشيخ، وبخاصة أن عامة الأتباع المتحمسين لم يشهدوا مرحلة الجهاد الأفغاني الأولى مما يجعلهم يصنفون المشايخ ويحكمون عليهم بأحكام جائرة وقد يسعون إلى تصفيتهم، وهذا الأسلوب بالإضافة إلى نتيجته المذكورة آنفاً فإنه يؤدي إلى اتساع دائرة الشكوك والظنون بالدعاة وأهل العلم والداعمين والمناصرين للجهاد والمجاهدين، فهاهو النقد والاتهام يطال العلماء الرسميين والعلماء غير الرسميين والخطباء المؤثرين المحرضين على الجهاد الداعمين للجهاد بالأموال الطائلة والذين ذكر الشيخ أنهم ظهروا على حقيقتهم: علماء سوء ورجال طاغوت..، وإذا كان أولئك الذين ظهر منهم نصرة الجهاد وأهله قد باتوا علماء سوء، فمن بقي من الناس يصلح أن يكون قدوة وإماما، وإن مما يخشاه الناصح أن يفقد الشباب -بمثل هذه التعميمات- الثقة في كل من حوله من العلماء والدعاة، ويزداد جرأة في الحكم عليهم ، ولعل الشيخ – حفظه الله – أراد التورع عن تسمية أشخاص محددين بأعيانهم، فلجاً إلى التعميمات التي أورثت التشكيك في السواد الأعظم، ودفعت إلي كيل الاتهامات إلى الكثيرين، مايجعل التصريح أهون هاهنا من التلميح.

8 - الموقف من الرافضة:
يلاحظ أن موقف القاعدة من استهداف الرافضة غير محدد، فقد كان الزرقاوي يتبنى العمليات ضد الرافضة ويتحمس لها أشد الحماس، في الوقت الذي كان الدكتور أيمن الظواهري يتبنى الرأي الأخر معارضا لها مبينا سلبياتها، ومناصحاً لأبي مصعب بترك استهداف الرافضة، ثم نجد الشيخ أسامة هاهنا يقف موقف المؤيد لما كان يراه أبا مصعب الزرقاوي، مع أن المعروف عن الشيخ خلافه، فعلى أي شيء يدل هذا الموقف الأخير، هل يدل على تغير قناعة الشيخ تجاه استهداف الرافضة، أم تعرضه للضغوط لإظهار موافقة الدولة في تعاملها مع الرافضة؟

9 - دولة العراق الإسلامية:
يلاحظ أن الشيخ في الكثير من خطاباته، وفي هذا الخطاب على وجه الخصوص يكيل المدائح لقادة القاعدة في أكثر من مكان، حتى بات يزكي أشخاصاً لايعرفهم، فينقل تزكيتهم عن غيره – كما في البغدادي مثلا -، وفي الوقت ذاته لا يحظى بقية قادة المجاهدين ممن لا ينتمون للقاعدة بشيء من ذلك الثناء، بل على العكس، قد ينالهم شيء من الهجوم الصريح أو المبطن.

وقد بالغ الشيخ في ذكر حسنات دولة العراق الإسلامية وأفرط في تفاؤله كثيرا حين ربط مصير (مئات الملايين) من المسلمين بقيامها، ومنحها الشيخ – برغم أنه لا وجود لها في الواقع الحقيقي بوصفها دولة – من الحقوق والمزايا وذكر لها من الأثر ما لم يكن الشيخ يذكره لأمارة طالبان الإسلامية مع أن طالبان كانت دولة قائمة فعلاً وممكن لها، وهي ذات كيان حقيقي وأرض تقيم عليها وجيش وشرطة ووزراء ومقار للحكم ومحاكم شرعية.
وهاهنا تجدر الإشارة إلى أن المخالفين لدولة العراق الإسلامية لاينازعون في أهمية قيام دولة الإسلام، ولا في أهمية الاجتماع والوحدة، ولافي تفاصيل البيعة التي تمت لدولة العراق الإسلامية، وإنما التنازع في وجود تلك الدولة في الواقع من عدمه، ويقول قائلهم: كيف أبايع دولة لاوجود لها إلا في أذهان أصحابها، وعلى الإصدارات المرئية لهم؟وبناء عليه فإن كلام الشيخ في إجاباته عن الشبهات المثارة ودفاعه عن الدولة هو في غير محل النزاع بين الدولة ومخالفيها.
ومن الوقفات هنا أن الشيخ ذكر في خطابه بأن مصادر الدعم المادي لدولة العراق الإسلامية إنما هي (تحت ظلال الرماح) وذلك خلافاً للأحزاب والجماعات الأخرى التي تتلقى الدعم من دول الجوار. وفي هذا اتهام مطلق لعموم الفصائل الجهادية بالعمالة للخارج، وهذا الاتهام لايشجع – بطبيعة الحال – على الوحدة ولا يساهم فيها، فالشيخ يقول ( ولو أن قادة دولة العراق الإسلامية وضعوا أيديهم في يد أي دولة من دول الجوار لتكون لهم ظهراً وسنداً كما فعلت بعض الجماعات والأحزاب لكان الحال غير الحال , فأولئك ميزانياتهم بعشرات بل مئات الملايين , وهؤلاء رزقهم تحت ظلال رماحهم وهذا خير الرزق لو كانوا يعلمون) ومن غير الواضح كيف يتم تمويل القاعدة لنفسها من خلال ضلال الرماح، فليس هناك موارد كثيرة – داخل العراق - يمكن الحصول عليها لتمويل الأعمال التي تقوم بها القاعدة هناك.

10 - طريق الوحدة:
طالب الشيخ في هذا الخطاب وفيما قبله بالوحدة والاجتماع بين المجاهدين في أرض العراق، وهو مطلب جدير بالعناية والاهتمام فعلاً، لكن الحديث المهم هنا ليس عن أهمية التوحد والاجتماع والاعتصام بأمر الله فذلك يبدو محل اتفاق، وإنما السؤال هنا: هل سبيل الوحدة بين المجاهدين يكمن في متابعة دولة العراق الإسلامية فحسب؟ إذ أن الشيخ لم يطرح خياراً آخر للوحدة سواه. وهل يقبل تنظيم القاعدة أو دولة العراق الإسلامية الانضواء تحت قيادة كبرى يتولاها سواهم؟
وبما أن الشيخ قد راجع في خطابه التجربة الأفغانية فإن المتابع يعلم أن الشيخ قد رفض القبول بتسمية الشيخ (جميل الرحمن) للمنطقة التي يحكمها في (كونر) بـ"إمارة كونر الإسلامية" مع أن مقومات إطلاق (الدولة) على منطقته آنذاك تفوق المقومات الموجودة لدى دولة العراق الإسلامية.
بل إذا كان الحديث عن العراق تحديدا فإن (الإمارة) التي أعلنت عنها جماعة أنصار الإسلام أولى بالبيعة من دولة العراق الإسلامية لكونها أسبق للإعلان، كما سبق لهم فرض سيطرتهم على مناطق جغرافية تم تحكيم الشريعة فيها.
وفي هذا السياق يتبادر سؤال مهم:
هل يحق لأحد الفصائل المقاتلة في أي ثغر من ثغور الإسلام الإعلان عن نفسها باسم الإمارة أو الدولة أو الخلافة الإسلامية ؟ وهل يجب على جميع المجاهدين – آنذاك – أفراداُ وجماعات في ذلك المكان أن يبايعوه؟ وماذا لو أن أحد الفصائل أو الأحزاب الجهادية حول اسمه إلى (الخلافة الراشدة) أو (إمارة العراق) فهل يعني هذا التغيير في المسمى تغييرا في الأحكام المترتبة عليه ؟ وهل هناك دولة حقيقية على أرض الواقع أم أن الأمر لا يعدو كونه فصيلاً مجاهد ليس غير؟ وما الفرق في الواقع بين (جماعة التوحيد والجهاد) و (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) و(مجلس شورى المجاهدين) و(دولة العراق الإسلامية) .
كانت تلك جملة من الوقفات مع رسالة الشيخ الساخنة، قصدت منها التنويه إلى جملة من الملاحظات التي يحسن الوقوف عندها، وعدم الانسياق ورائها، فالشيخ حبيبنا والحق أحب إلينا، وهو ضالتنا أنّا وجدناها فنحن أولى بها، وإنني هنا أذكر بجزء من كلام الشيخ في خطابه هذا حين يقول: (فالحق أحق أن يُتبع ومن كان مقتدياً فليقتدي بمن مات من القدوات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، واعرف الحق تعرف أهله فالحق لايعرف بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق) .
نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد
تم تحريره في الأول من شهر الله المحرم 1429 هـ

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.