وقفات وملاحظات على كلمة الشيخ أسامة التي بعنوان (السبيل لإحباط المؤامرات حول العراق ودولة العراق الإسلامية)

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)

كنت قد كتبت في مقال سابق تحليلاً لكلمة الشيخ أسامة ابن لادن (إلى أهلنا بالعراق) والتي جاءت هادئة – خلافاً لكلماته السابقة- وذكرت في ذلك المقال أن هذا الهدوء الذي اتسمت به الكلمة نابع عن بعد الشيخ عن المؤثرات المحيطة به مما جعله يعود إلى طبيعته الهادئة ولسانه العفيف .

وقد جاءت هذه الكلمة الأخيرة صاخبة صارخة لتؤكد هذا التحليل، فقد رجع الشيخ إلى المؤثرات بشكل أكبر، وبتركيز أكثر، فجاءت كلمته حبلى بما كان يردده دوماً د.أيمن الظواهري (حماس والإخوان، الإخوان وحماس..) وحفلت الكلمة بعدد من المسائل التي يظهر فيها التأثير الواضح للفكر الجهادي المصري مثل (الغلو في التكفير، الحكم على المخالفين وتضليلهم، استهداف بلاد الحرمين بكل مافيها من علماء ودعاة رسميين وغير رسميين).

* ملاحظات عامة على الخطاب:
1 - توقيت الخطاب: هذا الخطاب هو السادس خلال أربعة أشهر بعد غياب طويل، مما يعني أن الشيخ – بحمد الله- قد أصبح في منطقة آمنة بحيث يمكنه التواصل وإصدار البيانات المتكررة، راجياً أن لا تكون هذه المنطقة (إيران) حتى لا يفجعنا بنفسه ولا يشمت بنا الأعداء.

2 - سبب الخطاب:
جاء هذا الخطاب ردة فعل للخطاب السابق (إلى أهلنا في العراق) الذي أغفل الشيخ فيه ذكر دولة العراق الإسلامية، مع كونه خطابا موجها لأهل العراق ! كما اعترف في ذلك الخطاب السابق بالأخطاء التي وقعت والاختراق الحاصل في صفوف القاعدة إلى غير ذلك من الحقائق التي أغضبت القاعدة في العراق وبخاصة بعد أن ظهرت ردود الفعل على شبكة الإنترنت التي استغلت خطاب الشيخ في التأكيد على الأطروحات السابقة المتكررة التي تنكر على القاعدة أعمالها وتجاوزاتها في العراق، ومن بينها إعلان الدولة.

ولهذا يبدو - من النظر في موضوع الخطاب وتوقيته - أن هناك من طلب من الشيخ أن يصلح ما أفسده عليهم بخطابه السابق، وما أثاره من شكوك بشأن رضاه عن دولة العراق الإسلامية وتزكية القائمين عليها، فجاء هذا الخطاب مخالفاً لما ذكره في خطابه السابق مع أنه ليس بين الخطابين إلا فترة يسيرة لا يمكن أن يكون قد حدث فيها تغيير كبير على أرض الواقع، بحيث يبني الشيخ عليه تغييراً في الأحكام والمواقف.

3 - مصادر المعلومات:
يتضح من سياق الخطاب أن الشيخ التقى بأشخاص نقلوا له رؤية القاعدة لما يجري في العراق، وهذا هو سر التفصيلات التي طرحها الشيخ في الشأن العراقي ومحاولة الرد على الشبهات التي أثيرت حول إعلان الدولة .. مما هو تكرار لما تقوله دولة العراق الإسلامية وتبرر به موقفها.وقد يكون التقى ببعض أبناء بلاد الحرمين بحيث نقلوا له تصورهم عن موقف العلماء والدعاة من دولة العراق الإسلامية، وتأثير ذلك الموقف على القبول الشعبي بتلك الدولة.

4 - فكرة الخطاب وصياغته:
في حال اقتطاع مايتعلق بالتجربة الأفغانية السابقة من الخطاب فإنه يصبح ذا فكرة يسيرة مفادها (دعم وتأييد دولة العراق الإسلامية والهجوم على مناوئيها) فحسب، وفي الخطاب تكرار لهذا الأمر بأكثر من هيئة. كما تتسم صياغة الخطاب -بعامة- بنوع من الضعف وحصول التكرار في الأفكار والألفاظ والاستطرادات في مواضع مع الإيجاز والغموض في مواضع أخرى خلافاً لعدد من خطاباته المتقنة السبك.

* جوانب إيجابية في الخطاب:
1 - التحذير من المؤامرات التي تهدف لسرقة ثمرة الجهاد :
يقول الشيخ :(حديثي هذا إليكم عن المؤامرات التي يحيكُها التحالف الصهيوني الصليبي بقيادة أمريكا بالتعاون مع وكلائها في المنطقة لسرقة ثمرة الجهاد المبارك في أرض الرافدين ، و ما الواجب علينا لإفساد هذه المؤامرات).

2 - الدعوة للوحدة بين المجاهدين:
إذ يقول الشيخ:(أؤكد أن من أعظم الواجبات هو أن تتحد جهود جميع المجاهدين الصادقين مع بعضهم البعض ، لتقف صفاً واحداً تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وتعمل جاهدةً لإفشال جميع مؤامراتهم).

3 - التحذير من التوسع في قتل الأبرياء الذين يكونون قريبين من العدو:
حيث يقول:(أؤكد على إخواني المجاهدين بأن يحذروا من التوسع في مسألة التترس ويحرصوا أن تكون عملياتهم لاستهداف العدو منضبطة بالضوابط الشرعية بعيداً عن المسلمين ما أمكنهم ذلك دون أن يُعطَّل الجهاد في سبيل الله).

4 - النقد الصريح لحزب الله:
فهاهو الشيخ يقول عن أمين الحزب:(لكن الأمين العام حسن نصر الله يستغفل الناس وقام ورحب بها – أي بالقوات الدولية في لبنان - على الملأ ووعد بتسهيل مهمتها رغم علمه أنها قادمة لحماية اليهود وإغلاق الحدود أمام المجاهدين الصادقين , فقد فعل هذه الطوام نزولاً عند رغبة الدول الداعمة صاحبة الأموال النزيهة الشريفة التي تَحَدَّثَ عنها من قبل).

5 - بيان أهمية الخلافة ومسيس الحاجة إليها:
إذ يقول الشيخ: (فكما أن من الواجبات العظام السعي لتوحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد فإن القعود عن ذلك كبيرة من الكبائر العظام أيضاً فإن الدين لا يكون كله لله , ولا تأمن السبل ولا تُقمع الفتن ولا يُستتب الأمن ولا تُحبط المؤامرات ولا ينضبط كثيرٌ ممن انضموا إلى الجماعات المجاهدة من عامة أبناء الأمة و إلى ما هنالك من أمور عظام إلا إذا كان للمسلمين جماعة وإمام).

* وقفات مهمة حول بعض النقاط الرئيسية في الخطاب :

1- حمل الشيخ في خطابه بشدة على كثير من الفصائل الجهادية خلافاً لخطابه السابق، ففي الخطاب يقول : (يسعون لإغواء الجماعات المجاهدة في العراق ، فيغضوا طرفهم عن أعضاء بعض الجماعات لتتحرك في دول الخليج باطمئنان لتأخذ الدعم .. وإن المرء ليعجب أشد العجب كيف ضيعت هذه الزعامات الأمانة التي في أعناقها وذهبت تضع يدها في يد أحد أَلَدِّ أعدائها) ويقول : (فكيف وأنتم ترون أحزاب أو فصائل و هيئات فيها شيوخ كبار تنتمي إلى أمتنا تفتن وتتساقط عند أبواب سلاطين نجد) ويقول : (ولو أن قادة دولة العراق الإسلامية وضعوا أيديهم في يد أي دولة من دول الجوار لتكون لهم ظهراً وسنداً كما فعلت بعض الجماعات والأحزاب لكان الحال غير الحال).

2 - نادى الشيخ القواعد والأفراد والقيادات الفرعية من أجل شق عصا الطاعة على قادتهم!، والانضمام للقاعدة، إذ يقول : (فيجب على أعضاء الحزب الإسلامي وتلك الفصائل المقاتلة, أن يتبرؤوا من قادتهم ويصححوا مسار أحزابهم وجماعاتهم , فإن تعذر ذلك فليعتزلوا هذه القيادات المنافقة ، وليلتحقوا بالمجاهدين الصادقين بأرض الرافدين) ويقول : (إن السعي لإقامة جماعة المسلمين الكبرى يتعين على آحاد المسلمين والمجاهدين وذلك بأن يبايعوا أكثر الطوائف التزاماً بالحق و اتصافاً بالصدق ...وإن من يراقب حملات الكفر العالمي و المحلي يرى أنها تستهدف بالدرجة الأولى دولة العراق الإسلامية ... وما أحسب كل هذه الحملات الشرسة على المجاهدين في دولة العراق الإسلامية إلا لأنهم من أكثر الناس تمسكاً بالحق و التزاماً بمنهج رسول الله صلى عليه وسلم)، ويقول: (خلاصة القول في هذا الأمر يجب على الأخوة المجاهدين ولاسيما في مجالس الشورى ألا يستسلموا لأعذار أمراء الجماعات لتعطيل الوحدة والاجتماع).كما نادى المنتمين لحركة حماس لتغيير مسارها إذ يقول : (وللعقلاء أن يعتبروا بما آلت إليه قيادة حماس ، حيث أضاعت دينها ولم تَسْلَم لها دنياها) ثم يناديهم قائلاً : (فهلا قام الصادقون في حماس ليصححوا مسارها ؟!)، والسؤال هنا : هل يقبل الشيخ توجيه النداءات إلى أفراد القاعدة ودولة العراق الإسلامية لترك قياداتهم والتمرد عليهم واللحاق بصفوف الفصائل الجهادية الأخرى تحت مسمى "تصحيح المسار"؟

3- يلاحظ أن الشيخ قد استخدم تصنيفاً جديداً للمجاهدين، حيث أكثر من جملة (المجاهدين الصادقين) وهو يعني بطبيعة الحال أنه هناك فئة من المجاهدين غير الصادقين، مع أنه في الخطاب ذاته انتقد تقسيم المقاومة إلى مقاومة شريفة وأخرى غير شريفة، كما أن السامع لخطاب الشيخ والقارئ له سيفهم من الخطاب أن مجاهدي القاعدة هم المجاهدون الصادقون، وأن البقية خلاف ذلك.

4 - انتقد الشيخ (الدعايات المغرضة على دول العراق الإسلامية) ولم يذكر الشيخ في خطابه نماذج لتلك الدعايات المغرضة عن الدولة الإسلامية برغم أنه أكثر من التنفير من تلك الدعايات، وبطبيعة الحال فالشيخ لا يعني بتلك الدعايات ما سبق للشيخ نفسه الإشارة إليه في خطابه السابق من ألوان الخلل الواقع في صفوفها.

5- في ثنايا كلام الشيخ تحدث عن (الجماعات المقاتلة التي تناصر أمريكا) وهاهنا يتبادر سؤال تلقائي: إذا كانت تلك الجماعات المقاتلة لا تقاتل أمريكا بل تناصرها، ولا تقاتل الرافضة، ولا الجيش ولا الشرطة – وفقاُ لخطاب الشيخ - فأي قتال تخوضه تلك الجماعات إذاً ؟

6- تكرر في خطاب الشيخ وفي مواضع متعددة إطلاق لفظ الكفر والردة، فهاهو يقول: (فليعتزلوا هذه القيادات المنافقة)، ويقول: (وبعض الجماعات المقاتلة تناصر أمريكا على المسلمين ، وذلك كفرٌ بواح وردة صراح) ويقول: (فالذين بقوا مع القادة كسياف ورباني في كابل يناصرونهم ضد المسلمين بعد كل الذي حصل هؤلاء قد ظاهروا الكفار على المسلمين وذلك ناقضٌ من نواقض الدين وليس بعذر لهم حسن ظنهم بالقادة فيجب عليهم أن يفتشوا قلوبهم ويتبرؤوا من الشرك وأهله ويدخلوا في الإسلام من جديد) ويقول: ( فهذا سياف كان أبرز قادة المجاهدين وكان مِلء السمع والبصر واسم حزبه الاتحاد الإسلامي ثم أعان أمريكا على المسلمين وذلك كفرُ بواح) ولست هنا في معرض الدفاع عن سياف أو غيره لكنني هنا أتوقف مع كثرة عبارات "الكفر" و"الردة" فحسب، كما أن الخطاب احتوى على عبارات أخرى كعلماء السوء ورجال الطاغوت، فهو يقول في خطابه (واستعانت الرياض ببعض رجالها من العلماء غير الرسميين ، حتى يتيسر لهم اختراق صفوف المجاهدين , وهؤلاء كانوا من الخطباء المؤثرين المحرضين للناس على الجهاد ، ويحضرون الأموال الطائلة لقادة المجاهدين... وعندها ظهروا على حقيقتهم بأنهم علماء سوء ورجال الطاغوت) ويقول: (يتم تمرير الدعم باسم جمع التبرعات من بعض العلماء و الدعاة غير الرسميين , وكثير منهم في حقيقتهم رجال موالون للدولة يسعون في تحقيق سياستها في العراق ، بسحب البساط من تحت أقدام المجاهدين الصادقين)، ونحو تلك العبارات الخطيرة، والتي قد يبني عليها بعض الأتباع نتائجاً بالحكم على أشخاص محددين بالردة والكفر، ومن ثم يرون استحقاقهم للقتل، فمثل هذه الإطلاقات العامة قد تورد أمثال تلك الموارد .

7 - اتسمت صياغة الخطاب بالتجريح والاتهام والتلويح بصفات عمومية يمكن أن يطبقها الأتباع على عدد كثير من الأشخاص ممن ليسوا مقصودين من خطاب الشيخ، وبخاصة أن عامة الأتباع المتحمسين لم يشهدوا مرحلة الجهاد الأفغاني الأولى مما يجعلهم يصنفون المشايخ ويحكمون عليهم بأحكام جائرة وقد يسعون إلى تصفيتهم، وهذا الأسلوب بالإضافة إلى نتيجته المذكورة آنفاً فإنه يؤدي إلى اتساع دائرة الشكوك والظنون بالدعاة وأهل العلم والداعمين والمناصرين للجهاد والمجاهدين، فهاهو النقد والاتهام يطال العلماء الرسميين والعلماء غير الرسميين والخطباء المؤثرين المحرضين على الجهاد الداعمين للجهاد بالأموال الطائلة والذين ذكر الشيخ أنهم ظهروا على حقيقتهم: علماء سوء ورجال طاغوت..، وإذا كان أولئك الذين ظهر منهم نصرة الجهاد وأهله قد باتوا علماء سوء، فمن بقي من الناس يصلح أن يكون قدوة وإماما، وإن مما يخشاه الناصح أن يفقد الشباب -بمثل هذه التعميمات- الثقة في كل من حوله من العلماء والدعاة، ويزداد جرأة في الحكم عليهم ، ولعل الشيخ – حفظه الله – أراد التورع عن تسمية أشخاص محددين بأعيانهم، فلجاً إلى التعميمات التي أورثت التشكيك في السواد الأعظم، ودفعت إلي كيل الاتهامات إلى الكثيرين، مايجعل التصريح أهون هاهنا من التلميح.

8 - الموقف من الرافضة:
يلاحظ أن موقف القاعدة من استهداف الرافضة غير محدد، فقد كان الزرقاوي يتبنى العمليات ضد الرافضة ويتحمس لها أشد الحماس، في الوقت الذي كان الدكتور أيمن الظواهري يتبنى الرأي الأخر معارضا لها مبينا سلبياتها، ومناصحاً لأبي مصعب بترك استهداف الرافضة، ثم نجد الشيخ أسامة هاهنا يقف موقف المؤيد لما كان يراه أبا مصعب الزرقاوي، مع أن المعروف عن الشيخ خلافه، فعلى أي شيء يدل هذا الموقف الأخير، هل يدل على تغير قناعة الشيخ تجاه استهداف الرافضة، أم تعرضه للضغوط لإظهار موافقة الدولة في تعاملها مع الرافضة؟

9 - دولة العراق الإسلامية:
يلاحظ أن الشيخ في الكثير من خطاباته، وفي هذا الخطاب على وجه الخصوص يكيل المدائح لقادة القاعدة في أكثر من مكان، حتى بات يزكي أشخاصاً لايعرفهم، فينقل تزكيتهم عن غيره – كما في البغدادي مثلا -، وفي الوقت ذاته لا يحظى بقية قادة المجاهدين ممن لا ينتمون للقاعدة بشيء من ذلك الثناء، بل على العكس، قد ينالهم شيء من الهجوم الصريح أو المبطن.

وقد بالغ الشيخ في ذكر حسنات دولة العراق الإسلامية وأفرط في تفاؤله كثيرا حين ربط مصير (مئات الملايين) من المسلمين بقيامها، ومنحها الشيخ – برغم أنه لا وجود لها في الواقع الحقيقي بوصفها دولة – من الحقوق والمزايا وذكر لها من الأثر ما لم يكن الشيخ يذكره لأمارة طالبان الإسلامية مع أن طالبان كانت دولة قائمة فعلاً وممكن لها، وهي ذات كيان حقيقي وأرض تقيم عليها وجيش وشرطة ووزراء ومقار للحكم ومحاكم شرعية.
وهاهنا تجدر الإشارة إلى أن المخالفين لدولة العراق الإسلامية لاينازعون في أهمية قيام دولة الإسلام، ولا في أهمية الاجتماع والوحدة، ولافي تفاصيل البيعة التي تمت لدولة العراق الإسلامية، وإنما التنازع في وجود تلك الدولة في الواقع من عدمه، ويقول قائلهم: كيف أبايع دولة لاوجود لها إلا في أذهان أصحابها، وعلى الإصدارات المرئية لهم؟وبناء عليه فإن كلام الشيخ في إجاباته عن الشبهات المثارة ودفاعه عن الدولة هو في غير محل النزاع بين الدولة ومخالفيها.
ومن الوقفات هنا أن الشيخ ذكر في خطابه بأن مصادر الدعم المادي لدولة العراق الإسلامية إنما هي (تحت ظلال الرماح) وذلك خلافاً للأحزاب والجماعات الأخرى التي تتلقى الدعم من دول الجوار. وفي هذا اتهام مطلق لعموم الفصائل الجهادية بالعمالة للخارج، وهذا الاتهام لايشجع – بطبيعة الحال – على الوحدة ولا يساهم فيها، فالشيخ يقول ( ولو أن قادة دولة العراق الإسلامية وضعوا أيديهم في يد أي دولة من دول الجوار لتكون لهم ظهراً وسنداً كما فعلت بعض الجماعات والأحزاب لكان الحال غير الحال , فأولئك ميزانياتهم بعشرات بل مئات الملايين , وهؤلاء رزقهم تحت ظلال رماحهم وهذا خير الرزق لو كانوا يعلمون) ومن غير الواضح كيف يتم تمويل القاعدة لنفسها من خلال ضلال الرماح، فليس هناك موارد كثيرة – داخل العراق - يمكن الحصول عليها لتمويل الأعمال التي تقوم بها القاعدة هناك.

10 - طريق الوحدة:
طالب الشيخ في هذا الخطاب وفيما قبله بالوحدة والاجتماع بين المجاهدين في أرض العراق، وهو مطلب جدير بالعناية والاهتمام فعلاً، لكن الحديث المهم هنا ليس عن أهمية التوحد والاجتماع والاعتصام بأمر الله فذلك يبدو محل اتفاق، وإنما السؤال هنا: هل سبيل الوحدة بين المجاهدين يكمن في متابعة دولة العراق الإسلامية فحسب؟ إذ أن الشيخ لم يطرح خياراً آخر للوحدة سواه. وهل يقبل تنظيم القاعدة أو دولة العراق الإسلامية الانضواء تحت قيادة كبرى يتولاها سواهم؟
وبما أن الشيخ قد راجع في خطابه التجربة الأفغانية فإن المتابع يعلم أن الشيخ قد رفض القبول بتسمية الشيخ (جميل الرحمن) للمنطقة التي يحكمها في (كونر) بـ"إمارة كونر الإسلامية" مع أن مقومات إطلاق (الدولة) على منطقته آنذاك تفوق المقومات الموجودة لدى دولة العراق الإسلامية.
بل إذا كان الحديث عن العراق تحديدا فإن (الإمارة) التي أعلنت عنها جماعة أنصار الإسلام أولى بالبيعة من دولة العراق الإسلامية لكونها أسبق للإعلان، كما سبق لهم فرض سيطرتهم على مناطق جغرافية تم تحكيم الشريعة فيها.
وفي هذا السياق يتبادر سؤال مهم:
هل يحق لأحد الفصائل المقاتلة في أي ثغر من ثغور الإسلام الإعلان عن نفسها باسم الإمارة أو الدولة أو الخلافة الإسلامية ؟ وهل يجب على جميع المجاهدين – آنذاك – أفراداُ وجماعات في ذلك المكان أن يبايعوه؟ وماذا لو أن أحد الفصائل أو الأحزاب الجهادية حول اسمه إلى (الخلافة الراشدة) أو (إمارة العراق) فهل يعني هذا التغيير في المسمى تغييرا في الأحكام المترتبة عليه ؟ وهل هناك دولة حقيقية على أرض الواقع أم أن الأمر لا يعدو كونه فصيلاً مجاهد ليس غير؟ وما الفرق في الواقع بين (جماعة التوحيد والجهاد) و (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) و(مجلس شورى المجاهدين) و(دولة العراق الإسلامية) .
كانت تلك جملة من الوقفات مع رسالة الشيخ الساخنة، قصدت منها التنويه إلى جملة من الملاحظات التي يحسن الوقوف عندها، وعدم الانسياق ورائها، فالشيخ حبيبنا والحق أحب إلينا، وهو ضالتنا أنّا وجدناها فنحن أولى بها، وإنني هنا أذكر بجزء من كلام الشيخ في خطابه هذا حين يقول: (فالحق أحق أن يُتبع ومن كان مقتدياً فليقتدي بمن مات من القدوات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، واعرف الحق تعرف أهله فالحق لايعرف بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق) .
نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد
تم تحريره في الأول من شهر الله المحرم 1429 هـ

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.