خطاب.. وفقه العمل الجهادي

( أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه )

بسم الله الرحمن الرحيم

القائد العربي الأفغاني الطاجيكي الشيشاني "خطاب" رمز من رموز الجهاد في العصر الحاضر، تقلب في جفون الموت على مدى أكثر من خمس عشرة سنة، وحقق انتصارات كبيرة في ميادين متعددة، وكسب شهرة إعلامية عالمية، وتميزت شخصيته بصفات وسمات قل أن توجد مجتمعة في شخصية واحدة.
اسمه الحقيقي سامر بن صالح بن عبد الله السويلم، ولد عام 1389 من الهجرة النبوية في مدينة عرعر شمال المملكة العربية السعودية، ومكث فيها حتى انتهى من الصف الرابع الابتدائي وعمره عشر سنوات، ثم انتقل مع والده -رحمه الله- إلى منطقة الثقبة بالقرب من مدينة الخبر.
أنهى دراسته الثانوية و كان ينوي السفر للخارج لإكمال الدراسة هناك، لكنه ذهب لأفغانستان في عام 1988م والتحق بركب الجهاد منذ ذلك التاريخ حتى استشهاده.
كان في أفغانستان قائدا لسرية المدفعية في جلال أباد ورتب عمليات كثيرة، وفي طاجيكستان كان في قيادة الجبهة مرتبطاً بالقائد عبد الله نوري مباشرة، ثم في الشيشان كان قائدا في الجبهة الوسطى مع شامل باسييف، إلى أن جاءت عمليات داغستان فكان القائد الميداني للجيش الإسلامي الذي شارك في المعركة.
وكان رحمه الله يتحدث بأربع لغات، فيتحدث اللغة العربية و اللغة الروسية والإنجليزية والبوشتو. واستشهد رحمه الله في أوائل شهر صفر من عام 1423هـ من الهجرة وله من العمر 33 عاماً.
ليس الذي يميزه شجاعته وحنكته العسكرية فحسب، ولا صبره وطول نفسه في مصاولة الأعداء، ولست هنا بصدد الحديث عن شخصيته فذاك يحتاج إلى صفحات مطولة، ولكنني أتناول في هذه المقالة جانباً مهماً من جوانب شخصيته الجهادية التي عز وجودها بين المجاهدين في هذا العصر مع كثرتهم وقوة شكيمتهم وشجاعتهم المفرطة.
هذا الجانب هو :
فقه "القائد خطاب" للعمل الجهادي

ويتجلى في رؤيته المتكاملة للعمل الجهادي وعنايته الخاصة بكل زاوية من زواياه، وليس الجهاد في نظره "التدريب العسكري فقط" ولا "تطوير الأسلحة والتفنن في العلميات العسكرية" و"الابتكار في أساليب القتال" لكنه كان إضافة إلى ذلك كله "الإعلام الجهادي" الذي لايقل عن الجانب العسكري.
كما أن للعلم الشرعي والجانب التربوي مكانته وموقعه اللائق في برنامج "القائد خطاب"، وللجانب الإغاثي والاجتماعي أهميته ورجاله التي تعمل جنباً إلى جنب مع المجالات الأخرى ولعل ذلك كله من أسباب نجاح العمل في الشيشان واجتماع كلمة المجاهدين هناك.

ولتفصيل ماسبق فإنني أشير إلى معالم مهمة في هذا الباب :

أ - فقه الجمع بين العلم والإعداد :
لقد بدأ خطاب عمله في الشيشان، تلك المنطقة البعيدة عن العلم الشرعي وعن فهم الإسلام وتطبيقه في حياة الفرد وسلوكه.
وكان يغلب على الشعب الشيشاني الجهل والبعد عن أخلاق الإسلام وعباداته إضافة إلى شراسة في الطبع وخشونة في المعاملة مما جعل عدداً منهم كوادر مهمة في عصابات المافيا، إذ كانت تلك الوظيفة أفضل الوظائف وأليقها بالرجل الشيشاني.
وكان منهم متدينين غلب عليهم التصوف المنحرف المغرق في الخرافة، إضافة إلى وجود قلة من السلفيين تحت قيادة الشيخ فتحي الشيشاني رحمه الله.
ولكن "القائد خطاب" بمنهجيته في الجهاد ومفهومه للجهاد الشامل استطاع – بفضل الله – تحويل رجال العصابات إلى قادة مجاهدين، وطلبة علم شرعيين، وقضاة ومفتين.
فكان من طريقته أن اعتنى بتهذيب أخلاق المتقدمين إلى معسكرات التدريب، وتعليمهم أمر دينهم، فاشترط على كل متقدم للتدريب أن يدخل دورة شرعية يتلقى خلالها أحكام الإسلام وأخلاقه.
فإذا تجاوز تلك الدورة انتقل إلى معسكر التدريب ليتعلم على السلاح وفنون القتال، وإذا أخفق في اجتياز الدورة الشرعية فيكون هذا الرجل غير مناسب ليكون مجاهداً في سبيل الله، وقد كان يحذ دوماً من أن يخرج مقاتلين قد يستثمرون ماتعلموه في إيذاء الناس والاعتداء عليهم.

وكان يقول – رحمه الله - : " المجاهدون من غير علم شرعي قطاع طرق "

ولم يكن في هذا الميدان وحده، بل كان قبله ومعه الشيخ فتحي الشيشاني، وهو طالب علم ومجاهد قديم سبق له الجهاد في أفغانستان.

كما كان معه (أبوعمر السيف) وهو عالم شرعي، سبق له المشاركة في الجهاد الأفغاني.

وكان من جوانب هذه المسألة احترامه للتخصص، فلا يسمح لأحد بالخوض في المسائل العلمية إلا أن يكون مؤهلاً لذلك، وقد جعل مرجعية علمية للمجاهدين تضبط مسائلهم وتحسم خلافاتهم، ذلك أن من المسائل التي أضرت ببعض ساحات الجهاد : مسائل التكفير والحكم على الآخرين، فكان "خطاب يمنع الحديث في هذه المسائل، ويطلب ممن لديه إشكال أو شبهة في هذا الشأن الرجوع إلى أهل العلم، والتزام قولهم، فلاتصبح هذه المسائل مجالاً للخوض في المعسكرات والجبهات.

بل كان "خطاب" نفسه يحترم التخصص، ولا يسمح لنفسه بالخوض في المسائل الشرعية لكونه الأمير بل كان يرجع فيها لأهل العلم ويلتزم قولهم ولايجازف باتخاذ المواقف قبل تحرير الرؤية الشرعية لها.

ب - فقه التعامل مع أهل البلاد :
قدم "خطاب" للشيشان وقد تقاسمتها الخلافات القبيلة والمناطقية والصراعات الفكرية والثارات العشائرية والحزبية.
كما بدأت القضية الشيشانية تحت قيادة ضباط سابقين في الجيش الروسي ممن لم يسبق لهم أن حظوا ببيئة إسلامية أو علم شرعي.
وكانت قيادة المقاومة مخترقة من قبل الاستخبارات الروسية في عدد من رجالاتها وعلى رأسهم في تلك المرحلة أحمد قادريوف (مفتي الشيشان) الذي كان يحاول دوماً إشعال الفتنة بين الشيشانيين أنفسهم، سلفيين وصوفيين، كما كان يحاول إشعال الفتنة كذلك بينهم وبين العرب المناصرين لهم من جهة أخرى، حيث كان يثير مسألة الوهابية في كل مناسبة.
لكن "القائد خطاب" تعامل مع الخارطة الشيشانية السكانية المختلفة المتشعبة مذهبا وفكرا وعشائراً بأسلوب الاحتواء وتجنب الصدام وتأليف القلوب وسد منافذ الفتنة.
وكان دائما يردد " نحن جئنا لنصرة الشيشان، فإذا كان بقاؤنا سيثير فتنة بيننا وبين الشيشانيين، أوبين الشيشانيين أنفسهم فإننا سنبادر للخروج ".
وقد ركز رحمه الله على احتواء القيادات المهمة أمثال شامل باساييف.
وقد حرص الأعداء على إثارة نقاط الخلاف إعلاميا فكانوا يحرصون على سؤاله في لقاءات إعلامية متعددة عن رأيه في مشايخ الصوفية، فكانت إجاباته تنم عن فقه عميق، مما يفوت الفرصة على الأعداء.
كما كان يتألف الناس بالمال والهدايا ويكسب رؤوس الناس بالتواصل معهم.
وكان للعمل الإغاثي والاجتماعي تأثير كبير في إطفاء الكثير من الفتن، وكسب عموم الشعب.
يقول "القائد خطاب": (كنا بعيدين عن محاور النقاش و بعيدين عن أن يجرنا الناس إلى نقاشات معينة.و ضعنا لنا منهجا و طريقا معينا في مجال النصرة و الدعوة و الحمد لله و و الله لقد كان لدينا الطلاب بالمئات و لو كان عندنا إمكانية لفتحنا أكثر من معهد أو دار لتحفيظ القرآن و كانت المشكلة لدينا في الإمكانيات و لم تكن هناك أي مشكلة مع الناس...كانت لنا علاقات طيبة وواسعة مع فئات من شعوب القوقاز و أصبحنا معه على ارتباط أكثر مما عليه بعض القادة الميدانيين الآخرين من الشيشان و أصبحنا نعرف طبائع الناس و كيف يفكرون و مع من نتعامل و كيف نعمل والحمد لله).

ج - في فقه التعامل مع الخلاف واحتواء آثاره :
لم تكن الساحة الشيشانية خالية من الفصائل المختلفة المتباينة في الفكر والانتماء، وكانت عوامل الفتنة وتأجيج الصراع مهيأة وحالة الانفجار متوقعة.
لكن تعامل المجاهدين مع هذا النوع من الخلاف وعلى رأسهم الأمير "خطاب" والعالم الشرعي أبوعمر السيف نجح في الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقة التي تمنع الصراع، وتحتوي المجموعات المختلفة برباط من الاحترام المتبادل وحفظ الحقوق، وقد توّج ذلك باجتماع مجلس شورى المجاهدين الذي ضم جميع الفصائل المعتبرة في الشيشان -تقريبا- تحت قيادة واحدة.
ويمكن تفصيل هذه في ذكر بعض الصور والأحداث :
* لما توقفت الحرب الشيشانية عام 1994م باتفاقية مع الروس، حظي من خلالها المجاهدون بحكم دولة الشيشان في الوقت الذي قتل فيه جوهر دودايف وتولى الرئاسة بعده سليم خان، تحرك الشيخ أبوعمر لإنشاء المحاكم لشرعية وحرس الشريعة لإقامة الشريعة الإسلامية على أرض الشيشان المحررة، بحيث يقوم أولئك الحرس بتطبيق الشريعة والعمل الاحتسابي على المنكرات، في ذلك الوقت كان القائد "خطاب" غير مقتنع بهذه الخطوة، وكان يرى أن الشعب الشيشاني غير مهيأ لهذه المرحلة.
ومع كونه الأمير والقائد العسكري، إلا أنه تعامل مع الأمر الواقع وتواصل مع الشيخ أبي عمر وإخوانه بالمناصحة والرأي دون مناوئة للرأي المخالف فضلا عن الهجوم عليه أو على القائلين به إعلاميا أو عسكرياً، بل كان يدافع عنهم ضد من يستهدفهم بالسب أو الخصومة أو القتال.
* كان مسخادوف هو الرئيس المنتخب خلفاً لسليم خان، وكان عدد من قادة المجاهدين - ومنهم القائد خطاب والشيخ أبوعمر - يتحفظون على مسخادوف ومنهجه في إدارة البلاد، كما كانوا يشكون في ولائه، ويخافون من مواقفه. لكنهم برغم ذلك لم يعلنوا الحرب عليه وتعاملوا معه برفق وحكمة ومداراة، حتى كسبوا ولائه وصار معهم في خندق واحد يجاهد معهم ويتنقل في الغابات حتى قتل نسال الله أن يتقبله في الشهداء.
وكان يمكن أن يكون الخلاف معه سبباً للاقتتال بين فصائل المجاهدين بحيث يفني بعضهم بعضا.
* كان حمزة قلايو أحد القيادات المهمة، وكان بعيداً عن المجاهدين ومستقلا في عمله، وله موقف من "شامل باساييف" وبعض القيادات الأخرى..فكانت طريقة المجاهدين هي: تقريبه ومساعدته حتى لا يذهب بعيداً، وقد وعدوه بالدعم إذا انضم إلى مجلس شورى المجاهدين ووحد العلميات مع إخوانه، وانضم إليه أحد الأنصار "سيف الإسلام"ليوجه مجموعته ويؤثر في القائد "حمزة" فكان له ما أراد، وتحولت مجموعة "حمزة" إلى فصيل من أفضل الفصائل المجاهدة.

د - التركيز على الجانب الإعلامي ومعرفة أهميته:
أدرك "القائد خطاب" بمفهومه الشامل للجهاد ضرورة الجانب الإعلامي وأهميته في الصراع وتوضيح موقف المجاهدين من عدوهم، وماوقع على الشعب الشيشاني من الظلم والعدوان من قبل الروس، ومخاطبة الشعب الروسي ليقف ضد قيادته الظالمة، وقد كانت جمعي أمهات قتلى الروس في الشيشان من المؤسسات الضاغطة على الحكومة الروسية لإيقاف القتال في الشيشان بالمظاهرات والاعتصامات والمطالبة الحقوقية، مما أسهم في إضعاف الموقف الروسي من القتال في الشيشان.
ويعتبر "القائد خطاب" من أقدم من قام بتوثيق العمليات العسكرية بالفيديو وإخراجها في سلسلة متصلة مع أداء إعلامي متميز، حيث كان له قصب السبق في هذا الميدان.
وقد نقل عنه أنه قال " إن الله أمرنا بمجاهدة الكافرين وقتالهم بمثل ما يقاتلوننا به. وهاهم يقاتلوننا بالدعاية والإعلام لذلك فيجب علينا أيضا مقاتلتهم بإعلامنا "

كما أن موقع (صوت القوقاز) المتحدث باسم المجاهدين في الشيشان كان من أوائل المواقع الجهادية على الشبكة، وقد رفع من مستوى الأداء الإعلامي للتيارات الجهادية، وعرف بقضيتهم بشكل لم يسبق له نظير، وتعتبر كل المواقع الجهادية الحالية سائرة في إثر موقع القوقاز.

كما يعتبر الأداء الإعلامي في القضية الشيشانية باكورة العمل الإعلامي الجهادي في العالم كله.

ويتميز "القائد خطاب"رحمه الله بالأداء الإعلامي المتزن، وله تصريحات متعددة توضح ذلك وتكشف عنه، فقد كان يأخذ في الاعتبار المصالح والمفاسد، ويراعي تأثير كلامه على القضية الشيشانية، ولما سئل عن علاقته بابن لادن أجاب بأنه رآه يوم أن كان في أفغانستان وأن ذلك كان منذ ثمان سنوات، وأنه لم يره ولم يتصل به بعد ذلك.

رحم الله شهيد أرض الشيشان "القائد خطاب"، الذي أبلى بلاء حسنا وكبيراً في قتال أعداء الله في مواطن عديدة،
ويشاء الله عز وجل أن يكون موته على فراشه مسموماً... رحم الله خطاب وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وجمعنا به في مستقر رحمته.

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.