مخاطر الاختراق على "العمل الجهادي"

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه) 

 

تنوعت وسائل الصراع وأدواته وجوانبه وميادينه في هذا العصر بما لم يسبق له مثيل من قبل، فمن الجوانب العسكرية والسياسية والإعلامية والاستخباراتية، إلى الجوانب الفكرية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية، إذ باتت تلك الجوانب كلها ميادين للصراع مع العدو.

ونظراً لما يملكه العدو من إمكانيات ضخمة واستعدادات كبيرة للمعركة فقد عمل على كافة الجوانب وفي جميع الميادين.

ولعلنا هاهنا نتحدث بشكل تفصيلي عن أحد أبرز أدوات العدو في صراعه مع المجاهدين، ألا وهو:(الاختراق)، لما له من خطورة بالغة، فقد تلقت الأمة من جرائه نكبات موجعة، وأصابتها بسببه مصائب كبرى، ولم يسلم منه حتى الصف النبوي حيث أثار المنافقون الخلافات وسعوا في شق الصف المسلم، والأمثلة على هذا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة.

لهذا كان من المهم الحديث عن الاختراق، وإيضاح جوانبه، وأهدافه، وذكر بعض النماذج الواقعية له، ثم نتبع ذلك بذكر عدد من التوصيات المقترحة لتجنبه.

 

أولاً : جوانب الاختراق:

عند إطلاق مصطلح (الاختراق) فإن المتبادر للذهن: الاختراق الاستخباراتي، والذي يعني (التجسس وجمع المعلومات من قبل العدو عن أحوال المجاهدين).

وبرغم خطورة هذا النوع من الاختراق إلا أنه ليس النوع الوحيد فإن هناك أنواعاً أخرى من الاختراق لا تقل خطورة عنه، مثل: الاختراق الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.

فإن الاختراق الفكري يعني: التأثير على أفكار أبناء التيار الجهادي وصرفهم عن الفكر الصحيح إلى أفكار غالية منحرفة في الغالب أو أفكار مداهنة منهزمة محبطة، وسوف أتحدث فيما يلي عن نوعي الاختراق بشيء من التفصيل والتمثيل.

 

ثانياً :  أهداف الاختراق:

يمكن تلخيص أهداف الاختراق – وحديثنا هنا عن اختراق العمل الجهادي - فيما يلي:

1 – احتواء العمل الجهادي وإطفاء جذوته بتحويله إلى أداء سياسي باهت أو بإعطائه بعض المكاسب الحقيرة التي لا تحقق المقصود، لكنها تسهم في توقف الجهاد، ومن نماذج ذلك "الحركة الجهادية في طاجكستان" والتي انتهت بالعمل السياسي المجرد، واكتفت بتولي عدد من الحقائب الوزارية، وانحرفت عن هدفها الأصلي، ولم تحقق الأهداف الرئيسية التي قامت الحركة لأجل تحقيقها.

2 – القضاء على الجهاد، من خلال القضاء على المجاهدين وهزيمتهم في المعارك المختلفة هزيمة ساحقة، وتصفية قيادات الجهاد في أوج نشاطها وشدة الحاجة إليها، ويتم ذلك بطريقة تقود إلى الاتهامات المتبادلة داخل الصف الجهادي، كما حصل في اغتيال د. عبد الله عزام، واغتيال القائد خطاب رحمهما الله تعالى.

 

3 – توظيف التيار الجهادي وكوادره لتحقيق مقاصد العدو وأهدافه، ومثال ذلك :

* إدخالهم في الحرب ضد عدو تقليدي في الصراع بين القوى الكبرى كما وقع في الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي.

* إرباك البلاد الإسلامية والتشغيب عليها من خلال بعض الممارسات مما يدفع تلك البلاد للارتماء في أحضان العدو لطلب الحماية والنصرة منه.

* إيجاد الذريعة للتدخل الأجنبي من خلال بعض الأعمال التي يتم القيام بها تجاه بعض مصالح العدو في البلاد الإسلامية.

* تحويل مسار الجهاد إلى استهداف فئات أخرى غير العدو الأصلي، وتوسيع دائرة الصراع حتى يتكالب الناس على حرب الجهاد ومواجهته مما يؤدي إلى هزيمة المجاهدين وإطفاء جذوة الجهاد وإضعاف الثقة به كوسيلة وأسلوب من أساليب التغيير، وقد تحول العديد من مناصري الجهاد المنضمين إلى لوائه أحياناً إلى خصوم وأعداء واستعان بهم العدو لضربه، وكان ذلك من جراء التجاوزات المستمرة التي قام بها بعض المنتسبين إلى الجهاد.

* دفع المنضمين للتيار الجهادي إلى ضرب أهداف يصعب على العدو الصريح القيام بها مثل تصفية بعض الكوادر السياسية والشرعية في البلاد الإسلامية، وقد قامت بعض التيارات والحركات الجهادية بإهدار دماء عدد من قادة العمل الإسلامي، وقتل عدد من القيادات الجهادية والعلمية لأهل السنة، وإصدار البيانات الرسمية بهذا الشأن تحت ذريعة الاتهام بالخيانة والعمالة من غير بينة.

 

4 – استغلال بعض أفراد التيار الجهادي لتشويه صورة الجهاد والمجاهدين و نشر الإحباط على مستوى الأمة ككل، من خلال التشكيك في جدوى الجهاد، وإشعار عامة المسلمين بأن الجهاد بات يشكل خطراً عليهم قبل غيرهم، وذلك من خلال بعض الممارسات المنحرفة والتفجيرات العشوائية المنسوبة إلى الجهاد، والتي تضر بالمسلمين أكثر من غيرهم، ويتم تغطيتها إعلامياً من قبل العدو، كما تعطى زخماً كبيراً من أجل تنفير المسلمين من الجهاد وتشويه صورة المجاهدين، وقد وقع الكثير من ذلك في العمل المسلح في الجزائر، وكان بعضه من صنيع المقاتلين، وكثير منه من صنع الاستخبارات الجزائرية.

 

5 – صرف الجهاد عن هدفه وحرفه عن مساره إلى الغلو:

حيث يتسبب الغلو في العصف بالمجتمع الإسلامي برمته، وتأجيج الصراع بين قياداته الدعوية والجهادية والسياسية، كما يؤدي إلى التكفير والتشدد في الحكم على المخالفين مما يتسبب في حدوث الانشقاقات والتصفيات داخل التيار الجهادي، وقد وقع في بيشاور إبان الجهاد الأفغاني بعض الصور المشينة، ومن ذلك ماحصل من مدعي الخلافة الذين استباحوا دماء إخوانهم وأعراضهم تحت ذرائع شتى سببها الغلو، كما وجد صفوف التيار الجهادي من يرى أن الأصل في المجتمع الإسلامي الكفر، فلا يصلي في مساجد المسلمين ولايأكل من ذبائحهم، ورأى بعضهم التوقف في شأن عامة المسلمين والتبين من حالهم، كما وجد من يبادر إلى تكفير المسلم لأدنى تأويل.

6 - الالتفاف على العمل الجهادي من خلال صنع مقاومة عملية مدعومة من قبل الاحتلال حتى إذا برزت واستطاعت استقطاب الإعلام وكسب ثقة الناس، دعت إلى جمع المقاومة تحت قيادة واحدة، وهي قيادتهم بطبيعة الحال، ثم فاوضت العدو باسم المقاومة واستسلمت للعدو، وقد استطاعت الاستخبارات الألمانية – كمثال – إبان حكم "هتلر" لألمانيا تنفيذ أسلوب ذكي في النيل من جماعات المقاومة التي قاتلت جيش الاحتلال الألماني في العديد من الدول الأوربية . وتتمثل خلاصة ذلك الأسلوب في صناعة قادة مزيفين ومجموعات مقاومة تدار من قبل الاستخبارات الألمانية، وتسلط عليها أبواق الدعاية والإعلام حتى تشتهر . وقد يترتب على ذلك تحمل الجيش الألماني بعض الخسائر في سبيل شهرة تلك المجموعات المقاومة المصطنعة، وعندما تكبر تلك المجموعات ويشتهر قياداتها وأبطالها المصطنعين . تبدأ الاستخبارات في فرض وجودهم على المجموعات المقاومة الحقيقية , وتفتيت صفوفها أو اختراقها من قبل القيادات المصطنعة تحت دعاوى ضرورة توحيد الفصائل أو تنسيق أعمالها وتعاونها, كما تستخدمها في نزاعات داخلية بين فصائل المقاومة. (انظر : كتاب "شهادتي على الجهاد في الجزائر"، لأبي مصعب السوري)

 

 

ثالثاً : صور من حالات الاختراق ( نماذج من اختراق العمل الجهادي)

1 – التجربة السورية:

لم تستطع الأجهزة الأمنية السورية على الرغم من عنفها الشديد وبطشها وقتلها لكثير من مقاتلي "الطليعة الإسلامية" لم تستطع القضاء على هذا التنظيم، فسعت إلى اختراقه من الداخل، وقد حدث ذلك فعلاً على يد جاسوس المشهور بكنية (أبي عبدالله الجسري) ، والذي بسببه تم القبض على عدنان عقلة، وحوالي السبعين من أفضل الكوادر العسكرية في التنظيم، وقد استطاع اختراق الطليعة، والترقي في صفوفها القيادية بسرعة معتمداً على طيبة القائد عدنان عقلة، وحماسته للجهاد، وتشجيعه الشباب على القتال بصرف النظر عن اختلاف وجهات النظر حول هذا المنهج الذي يبدو متسرعاً في نظر الكثيرين.

وأضاف الجسري هذا لصفاته – ظاهرياً - صفة الورع والتقوى، فكان يكثر من قراءة القرآن، ويصلي والناس نيام، وكان يوقظ زملاءه الذين يسكنون معه لصلاة قيام الليل، وهذا السلوك كان من أهم الأسباب التي جعلت عدنان عقلة وآخرين غيره يطمئنون إليه، وكانت الثغرة الأساسية التي نفذ منها هي تهاون أعضاء الطليعة في انتقاء كوادرهم، وعدم التثبت من ماضي الرجال، وكثرة الكلام من غير داع لذلك، وقد بدأ الجسري اختراقه بعملية هروب من سورية إلى بغداد، ومن هناك انتقل إلى عمان، وخلال فترة قصيرة أصبح أحد قادة الطليعة، وأقنعهم أن عنده مجموعة من المجاهدين شمال سورية، وأظهر لهم الرسائل التي يتلقاها منهم، ويطلبون منه الاتصال بمسئولين من الطليعة ليحركوا العمليات القتالية التي ضعف شأنها في الفترة الأخيرة وخاصة بعد مجزرة حماة، وكان أبو عبد الله يعلم أن مثل هذا المطلب تنتظره الطليعة بفارغ الصبر، وسوف تتفاعل معه دون أي حذر لاسيما وأن صاحب هذا الاقتراح من أهل الحل والعقد عندهم.

وقد أقنع عدنان عقله مساعديه بهذا الاقتراح، وبدؤوا يستعدون لتنفيذه، وكان أبو عبد الله يرسل التقرير تلو التقرير إلى المخابرات، ويوهمهم بأنه يرسلها لأصحابه في شمال سورية، وبدأت خلايا الطليعة تدخل سوريا لتسقط الواحدة تلو الأخرى، إلى أن سقط عدنان عقلة نفسه بيد المخابرات السورية، وبعد ذلك غادر أبو عبدالله الجسري عمان إلى دمشق حيث استقبل بحفاوة بالغة، وتبين أنه ضابط في المخابرات السورية. (انظر مقال "الاختراق" لحسن الرشيدي)

 

2 – التجربة الجزائرية:

يعد النموذج الجزائري من أوضح أمثلة الاختراق وأبشعها، وذلك لأن الاختراق حدث باعتراف الجميع سواء الأطراف الأمنية والتي قامت بالاختراق، أو من المخترقين أنفسهم بعد أن انشقوا عن هذه الجماعات، ولأنه قد ترتب على هذا الاختراق أعمال وحشية وجرائم قتل ومذابح واغتصابات متكررة .

وفي شهادة لأحد قدامى المجاهدين المهتمين بالقضية الجزائرية وهو ( أبو مصعب السوري) يقول :

(قام أبو عبد الرحمن أمين وقياداته على اغتيال الشيخ محمد السعيد و المجاهد عبدالوهاب العمارة وغيرهما من المجاهدين المنتمين لجماعة الطلبة [ وهي : جماعة جهادية جزائرية ] بدعوى تحضيرهم للانقلاب على قيادته، وبدعوى الحفاظ على الهوية السلفية للجماعة بزعمهم، ثم أتبع أبوعبد الرحمن أمين تلك الجريمة بإصدار كتاب بعنوان (هداية رب العالمين ) على أنه (منهج الجماعة الإسلامية المسلحة ) وقد حمل الكتاب من فنون الجهل , وألوان التطرف والتكفير , وقواعد الإجرام وقتل الأبرياء مما جزم بالهوية المنحرفة الجديدة للجماعة في عهد أميرها هذا . ووضحت أبعاد الكارثة التي حلت بقيادة الجماعة المسلحة، ثم أتبع ذلك بتوجيه  مقاتليه إلى المجازر الجماعية في المدنيين في القرى المجاورة لهم بدعوى أنهم انخرطوا في المليشيات الحكومية , فكفرهم واستباح قتلهم وسبي نسائهم على أنهم مرتدين! واستغلت أجهزة الاستخبارات الجزائرية هذه الأجواء - التي تكشف فيما بعد أنها هي التي سعت إليها وأوجدتها -  ودست العملاء في قيادة الجماعة التي ربما كان (أمين) واحدا منهم، كما بدأت الكتائب والفصائل الجهادية في الداخل تنفض عن قيادة ( أمين ) , لتنغمس أكثر فأكثر في حمامات الدم المروعة المخزية.. ثم اشتعال القتال بين الجماعة وبعض تلك الفصائل المنفصلة عنها .. لقد كانت قيادة الجماعة المسلحة في الجزائر مجموعة من المنحرفين بذاتهم , وتولت الاستخبارات الجزائرية إكمال الانحراف وتوظيفه)، ثم توصل أبومصعب إلى نتيجة مفادها ( أن المخابرات الجزائرية قد وصلت إلى اختراق الجماعة المسلحة , وأن كثيرا من هذه البيانات تكتبها المخابرات الجزائرية , وأن أكثر المجازر تجري بترتيب المخابرات).

 

3 – التجربة الشيشانية:

حيث تم اكتشاف شبكة من الجواسيس المتغلغلة في أوساط المجاهدين، وبخاصة في مجموعة القائد "خطاب" حيث استطاع أكثر من ثلاثين فرداً من تترستان وبعض بلاد الروس أن يلتحقوا بمعسكرات التدريب والانضمام للمجاهدين حيث أظهروا رغبة معاونة المجاهدين ونقل الجهاد إلى بلادهم المحتلة من قبل الروس مما جعل المجاهدين يرحبون بهم ويمنحونهم الثقة الكاملة إضافة إلى ماكانوا يظهرونه من العبادة والصيام وقيام الليل مما سهل تغلغلهم في صفوف المجاهدين وتم كشفهم بتوفيق الله فاعترفوا – انظر مذكرات خطاب حين ذكر القصة-، إضافة إلى أن مقتل خطاب رحمه الله كان من خلال السم الذي وضعه أحد المقربين منه، وكذا مقتل العديد من القيادات في الشيشان إنما تم عن طريق الاختراق.

 

4 – التجربة المصرية :

لقيت جماعة التكفير والهجرة ( جماعة شكري مصطفى) رعاية وتشجيعاً من الحكومة المصرية، وهذا أمر تؤكده وقائع وكتابات بعض أعضاء الجماعة في ذلك الوقت مثل عبدالرحمن أبو الخير في كتابه (ذكرياتي مع جماعة المسلمين)، وتؤيده أيضاً وثيقة مكافحة الحركة الإسلامية التي كشفتها الصحافة عام 1979م .

ويعترف عبدالرحمن أبو الخير أن شكري صانع أكبر مأساة في تاريخ الحركة الإسلامية فقد بنى حركته على مبدأ فاسد وهو العمل من خلال خطة العدو.

وقد ثبت أن جماعته خطفت وقتلت الشيخ الدكتور الذهبي، تحت تأويلات باطلة، حيث أفتت جماعة شكري بكفر الشيخ الذهبي، ولما كان الشيخ الذهبي على خلاف مع الحكومة المصرية فقد اتفقت جماعة شكري مع الأمن (!) على تنفيذ عملية اغتيال الشيخ، ولما اعترض أبو الخير على شكري بعد أن بلغه ذلك الاتفاق قائلاً بلهجة عامية مصرية: الطريقة دي تجعلنا نستثمر ونستغل! قال له شكري: قبلنا أن نستثمر، قبلنا أن نستثمر، يعني ليس لدينا مانع أن ندخل أي عملية نكسب منها 54% ويكسب منها العدو 46%.

كما أن من وقائع الاختراق ما وقع لجماعة الجهاد المصرية أثناء وجودهم في السودان، حيث تم اختراق الجماعة من خلال أحد أبناء قادة الجماعة، مما ترتب عليه تنفيذ عملية قوية ضدها، والزج بالكثير الكثير من كوادرها في السجون ومعرفة خططهم قبل البدء في تنفيذها، وقد ذكر د.هاني السباعي في موقع المقريزي على شبكة الإنترنت أحداثها مفصلة.

ولعل المتأمل لعدد من لأمثلة المذكورة آنفاً يتبين له أن أهم خصائص هذه الاختراقات فيما يتعلق بالتنظيم نفسه مايلي:

·       · أن أغلب هذه الاختراقات تحدث في التنظيمات شديدة السرية.

·       · أن هذه الاختراقات تبلغ مرحلتها النهائية، وهذه التنظيمات في أوج قوتها.

·       · أن هذه الاختراقات تتم عندما يكون هناك تصادم دموي بين السلطة وهذه التنظيمات.

·       · أنه يسهل الاختراق عند ضعف المستوى القيادي من النواحي السياسية والشرعية.

·       · أن بعض التنظيمات قد تبرر شرعاً وواقعاً استخدام السلطات لها لتحقيق أهداف مشتركة.

 

رابعاً :  توصيات مقترحة لتجنب الاختراق ومعالجة آثاره حين يقع.

*  وضع دستور واضح للعمل ومنهجية مؤصلة على منهج أهل السنة بحيث لا تتغير المواقف والتوجهات تبعاً لأهواء القادة أو ميولهم الناتجة عن طبيعتهم الأصلية أو المتأثرة بسبب تأثير خارجي سواء كان ذلك التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر.

*  وضع الضمانات الكافية للالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد والتعامل مع الخصوم، والتزام الوسطية وفقاً لمنهج أهل السنة والجماعة، ووضع الضوابط التي تحمي من الانحراف في هذا المجال.

*  محاصرة التسلل الفكري وتطويقه، وحماية العمل من المؤثرات التي تدفع باتجاه الغلو، حيث أن ذلك الانحراف الفكري قد يكون من خلال كوادر مهمة وذات وزن كبير في العمل، مع حاجة العمل إليها، فيجب هاهنا محاصرة هذا الفكر واستبعاده، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة بعض الكوادر، لأن تلك العناصر يمكن أن تجر على الجماعة أو الحركة الجهادية الويلات من جراء انحرافها، وقد تقضي على المشروع الجهادي برمته.

*  إيجاد مرجعية شرعية قوية تملك صلاحيات واسعة وتتبوأ مواقع مهمة في اتخاذ القرار ورسم سياسات العمل في التنظيم أو التيار الجهادي.

*  أن لا يتولى القيادة إلا من عرف بتاريخ نظيف، واشتراط أن يكون محل ثقة عالية، وتجنب تولية من لهم تاريخ سيء حتى وإن استقاموا كما كان هدي عمر بن الخطاب مع المرتدين الذين رجعوا إلى الإسلام إذ قبل توبتهم وأمر أن لا يولوا على شيء، وإنما يكون من عموم جند المسلمين.

*  تجنب تولية حدثاء العهد بالهداية ومن لا يعرف تاريخهم.

*  بث الوعي السياسي والأمني والفكري داخل التيار الجهادي.

*  التركيز على البناء العلمي والتربوي للأفراد، وإحياء روح المراقبة والخوف من الله تعالى.

*  وضع منهج علمي يضبط التطبيقات الميدانية للعمل، ويحدد موقف التيار أو الجماعة من المسائل الرئيسية التي تواجهه في الميدان، بحيث يكون هذا المنهج هو المعتمد الذي يتم التعامل من خلاله، كما يتم محاسبة المخالفين والمتجاوزين له.

*  عدم قبول الانفراد في حال "المفاوضات" و"اللقاءات" مع العدو، وضرورة التركيز على الجانب الجماعي بحيث لا ينفرد شخص – مهما كان حجمه وموقعه من العمل – باتخاذ القرارات الفردية، إذ يمكن للعدو عند انفراده بالمفاوض أن يغويه أو يغريه أو يخدعه أو يفتنه، وأن تكون القرارات المصيرية مرهونة بموافقة عدد أكبر من أصوات مجالس الشورى مع التحري والاحتياط الشديدين.

*  تنمية المعرفة التقنية ووضع الكوادر المتخصصة في ذلك وحماية العمل تقنياً والحذر من اختراقات العدو في هذا الجانب.

*  التعامل بحذر شديد وسرية تامة مع أي حالات شك في وجود الاختراق، أو اكتشاف شيء منه، وذلك من أجل احتواء الاختراق ومعالجته.

*  أن يكون هناك حد أدنى من الصفات الشخصية والمهارات المتوفرة لدى الشخص قبل أن يولى على المهام القيادية في العمل، بحيث يكون أبعد عن الاستدراج أو الاختراق ولا يكتفى بمجرد الأقدمية وصلاح النية وكثرة العبادة مع أهمية هذه الجوانب، ولهذا كان من الواجب هنا استبعاد السذج والبسطاء عن أمثال هذه الموقع، كما أن من أبرز الصفات المهمة: الاستعداد للتضحية وأن لا يشح بنفسه، ولا يؤثر حظوظها على العمل.

*  دراسة الحالات التي تم فيها اختراق العمل الجهادي بشكل أكثر تفصيلاً ومعرفة كيفية نجاح العدو فيها حتى يمكن تدارك الخلل ومنعه من الوقوع مجدداً.

*  تجنب سياسة التجميع دون تمييز و استقبال من هب ودب في ميادين الجهاد دون معرفة سابقة أو تزكية معتبرة.

*  حصر المعلومات المهمة في أضيق نطاق، وبقدر الحاجة، بحيث لا يحصل الفرد على معلومة لا يحتاج إليها، والاقتصاد في ذلك حسب الإمكان.

*  الحذر من أن تكون الأحداث المفاجئة وردود الأفعال هي التي تقود العمل وتؤثر فيه وتغير استراتيجيته، بحيث يستغلها العدو لاستدراج التيار الجهادي ودفعه باتجاه معين.

*  معرفة أن الإعلام صورة من صور الحرب فيجب الحذر من سياسة العدو الإعلامية التي يحاول أن يصرف بها العمل عن هدفه بتضخيم بعض الأنشطة وتغطيتها إعلامياً أو إبراز بعض الشخصيات وتلميعها واعتبارها الخطر الداهم على العدو أو التشكيك في بعض الفصائل الجهادية وضرب بعضها ببعض، لإشاعة جو من عدم الثقة فيما بينها.

*  الحذر من الاستدراج السياسي والإغراء المالي من قبل العدو أو من قبل المتواطئين معه الذين قد يظهرون مخالفته وعدائه وهم في الحقيقة يعملون لصالحه.

 

وختاماً : فإنني أرجو أن أكون من خلال مقالي هذا قد ساهمت في ترشيد العمل الجهادي، ذلك أن الاختراق – بلا شك - أحد الآفات التي يتعرض لها الجهاد، وأحد مصادر الخطر التي تحيق به، والتي يوشك أن تذهب بكل المكاسب التي حققها التيار الجهادي، بل وربما أحدث الاختراق للعمل الجهادي آثاراً كارثية فتحول الجهاد بسبب ذلك الاختراق من كونه سبيلاً لنصرة الأمة وتوحيدها وحماية حوزتها، إلى كونه سبباً في المزيد من الاقتتال وسفك الدماء وتفريق الأمة وتسهيل وتبرير دخول العدو المحتل لأراضيها.

لذا كان جديراً بكل مجاهد في سبيل الله أن يجعل هذا الأمر نصب عينيه، وأن يلزم الحذر والاحتياط، وأن يحرص على تنقية النفس من ميولها وشهواتها، وأن يحذر كل الحذر من الجهود التي يبذلها العدو لاستدراج المجاهدين والإيقاع بهم من خلال بعض المنتسبين إليهم.

وعلى الجماعات الجهادية السعي بجد لحماية العمل من الاختراق، وتصفية الصفوف مما قد يشوبها.

 

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد

تم تحريره في 25 / 11/  1429 هـ

 

والحمد لله رب العالمين ،،،

 


بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.