تأملات في وثيقة ترشيد العمل الجهادي


(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)

في شهر نوفمبر من عام 2007 م نشرت العديد من الصحف ووسائل الإعلام ما يسمى بـ(وثيقة ترشيد العمل الجهادي)، وقد قرأت الوثيقة، وتأملتها وأعدت النظر فيها أكثر من مرة منذ صدورها، ووجدت الناس تجاهها على طرفي نقيض، فمنهم من يقبل الوثيقة على علاتها لكونها صادرة عن منظر معروف وموثوق به وذا سابقة شهيرة في التنظير للعمل الجهادي، ومنهم من يردها جملة وتفصيلاً بحجة أنها انتكاسة عن طريق الجهاد وتنكب له، وأن ظروف كاتبها وكونه في السجن دفعته لكتابتها دون تجرد.

ورأيت أن (كلا طرفي قصد الأمور ذميمٌ) ، وأن العدل هو في التوسط والاعتدال، فالوثيقة في نهاية المطاف عمل بشري لا يخلو من الخطأ، ومبدأ (المراجعة) أو (المحاسبة) للنفس والعمل مبدأ شرعي مرغب فيه.

لهذا جاء هذا المقال لإبداء بعض الملاحظات على وثيقة ( د. فضل) الموسومة بـ( ترشيد العمل الجهادي) وردود الفعل التي أعقبتها ومن أهمها (كتاب التبرئة) للدكتور أيمن الظواهري.

وسوف يكون الحديث وفق النقاط التالية :
أ – ضرورة الترشيد .
ب – مضمون الوثيقة.
ج – ملاحظات عامة على الوثيقة .
د – مقتطفات مختارة من الوثيقة.
هـ – ردود الفعل.
و - توصيات حول ترشيد العمل الجهادي .
فإلى المقال ...

أ – ضرورة الترشيد :
إن الترشيد والمراجعة والنقد الذاتي أمور في غاية الأهمية، وذلك بغية التأكد من سلامة المسيرة وصحة التوجه، وهو واجب على كل التيارات الإسلامية أياً كانت مسمياتها، ومجالات عملها، كما أنها – أي المراجعة – متأكدة في الجانب الجهادي بشكل أكبر، لما يسببه الانحراف في هذا المجال من خطورة وآثار سلبية مدمرة .

وخصوصاً مع المعايشة اللصيقة لما حصل في الواقع الجهادي من أخطاء وتجاوزات في الوقت الراهن مما أضر بمفهوم الجهاد وشوه صورته، إضافة إلى ما ترتب على ذلك من خسائر مادية وبشرية، فكانت الحاجة ماسة إلى ترشيد العمل الجهادي، وتمييز ما يصح نسبته للجهاد الشرعي وبين ماهو دخيل عليه، حتى وإن فعل باسمه وتحت مظلته، ومن قبل بعض أبنائه المخلصين.

ب – مضمون الوثيقة :
* اسم الوثيقة : ( وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم )
* الكاتب : سيد إمام الشريف - يحمل اسمين حركيين في الأوساط الجهادية، هما الدكتور فضل والدكتور عبد القادر بن عبد العزيز، وهو منظر للتيارالجهادي وأستاذ أيمن الظواهري وأمير تنظيم الجهاد (المصري) في مرحلة من مراحله.
ويعتبر المنظر الرئيس للتيار الجهادي في المرحلة السابقة، ولاشك أن لمراجعاته أثر على أبناء هذا التيار مهما سعى المخالفون له للتقليل من أهميتها.
* الوثيقة : يستعرض (د.فضل) في هذه الوثيقة عدداً من الأدلة الفقهية والشرعية، و ينتهي بها إلى تحريم اللجوء إلى العنف، وأهمية عدم الخروج على الحاكم الظالم كما يستعرض في كتابه قضية ضبط العمليات الجهادية وفق المنظور الشرعي والدعوة إلى استمرار العمليات ضد القوات الأجنبية في العراق وأفغانستان .
وكان (د.فضل) قد عمل، منذ أن تسلمته مصر من اليمن عام ٢٠٠٤، على توحيد المراجعات الفقهية لقادة فصائل الجهاد داخل السجون، وبينهم نبيل نعيم وعبد العزيز الجمل وأنور عكاشة وآخرون، وبعد حواراته العميقة مع هذه القيادات بدأ في إعداد ( الوثيقة ) والتي تقع في 111 صفحة.

* يمكن تقسيم المادة التي تعرضت لها الوثيقة إلى الأقسام التالية :
1- توضيح بعض ما فهمه الناس عن (د.فضل) خطأً من خلال كتبه السابقة .
2 - الاعتذار والتراجع عن بعض الأفكار، والأساليب، والأحكام على الأشياء والأشخاص، وكأني به قد تبين له من خلال التجربة خطأ هذا الأسلوب وتلك الأفكار والأحكام ولكن بشكل غير صريح.
3 - نقد بعض الأخطاء والتجاوزات في العمل الجهادي مما كان ينكره ويفتي بخلافه سابقاً.

ج – ملاحظات عامة على الوثيقة :
· كتبت الوثيقة في أجواء تنقصها الحرية، ويشوبها الكثير من ضعف الثقة لكونها جاءت من وراء القضبان، وهذا من أسباب ضعف تأثير الوثيقة وسهولة مهاجمتها واتهام مصداقيتها.

· كتبت الوثيقة بروح غاضبة وبنفس متشنجة في الموقف من (القاعدة) و(جماعة الجهاد المصرية) مما أثر على النَفَس العام للوثيقة، وجعل القارئ يشعر بمجافاة الكاتب للإنصاف وأن ما يطرحه (د.فضل) إنما هو ردود فعل غاضبة، بروح انتقامية، تفتقد الموضوعية، مما أثر سلباً على مدى القبول لها، ولو خلت الوثيقة من هذا لكانت محل قبول عند عدد كبير من أبناء التيار الجهادي.

· كان من الأولى أن يكون لدى (د.فضل) من الشجاعة مايجعله يعترف بالأخطاء التي وقعت منه بصراحة ووضوح، ويعلن تراجعه عنها بدلا من التنصل منها تارة، واتهام الآخرين بسوء الفهم تارة أخرى، فإن الاعتراف – لو حصل- لكان أبرأ لذمته أمام الله، وأكثر قبولا عند خلقه، وهذا يشمل الأخطاء في الأحكام أو في الأفكار أو في الأسلوب، ومثاله : تجرئة الشباب غير المؤهل على التكفير وتنزيله على الأعيان .

· يظهر لي أن من أسباب الوثيقة محاولة الكاتب التخفيف عن المعتقلين والسعي في الإفراج عنهم ويظهر هذا في موضعين: أولهما : حين تحدث عن جواز الأخذ باليسر والرخصة الشرعية لرفع الحرج ودفع المشقة، وكان مما كتب هنا :( فلايجوز الإنكار على من أخذ بجواز الرخصة الشرعية خصوصا في الشدائد كما لايجوز للمسئولين في الجماعات الإسلامية أن يلزموا أتباعهم بالعزيمة إذا أرادوا الأخذ بالرخصة)، وثانيهما: في مبحث (السعي في فكاك أسرى المسلمين واجب) حيث قال: ( وفي هذا الزمان هناك من تسببوا في سجن المئات بل الآلاف من المسلمين بحماقاتهم والسجن بلاء .. فإذا قام من يسعى إلى فكاكهم الذي هو واجب عليهم أنكر عليه هؤلاء الحمقى وطلبوا منه السكوت فهل هذا إلا من الجهل بالدين ومن قسوة القلوب).

· يلحظ القارئ للوثيقة ضعفاً علمياً بيناً، فلم تخرج الوثيقة بتأصيل علمي قوي يتناسب مع حجم د.سيد إمام وكتاباته السابقة، ولعل السبب أنها كانت تهدف إلى مخاطبة قطاع كبير من الشباب الذين يهمهم الجانب الفكري في الموضوع أكثر من التأصيل الشرعي وأعتقد أنه سيكون مضطراً للرد العلمي على كتاب (التبرئة) للدكتور أيمن الظواهري وبخاصة أن الأخير أثار عدداً من التساؤلات وطلب الرد عليها.

· جاء ربط مسمى الوثيقة بـ(ترشيد العمل الجهادي في مصر) ليضفي عليها طابع من الخصوصية المناطقية، وأنها تهدف إلى تهدئة الأجواء وحل الاحتقان والتوتر الذي يقع في الساحة المصرية، ولاتخدم ترشيد الجهاد بشكل عام، ولو تناولت المسائل والنوازل الجهادية المجردة لكانت أثوى تأثيراً وأحرى بالقبول وبخاصة أن ممارسات النظام المصري في الحرب على الدعوة والعمل الإسلامي والتعامل مع اليهود لا تسمح بنجاح الدعوة إلى التهدئة .

· احتوت الوثيقة على مالا يمكن قبول تغيّر قناعة (د.فضل) به، مثل ( الاعتراف بشرعية النظام الحاكم في مصر)، ولعل من مسببات ذلك – وفق ما أراه – أن ذلك جاء على سبيل الإكراه والظرف الذي يعيشه داخل السجن، كما أنه قد يكون من أسباب ورود ذلك المثال ومايشابهه في الوثيقة : التخفيف عن بعض الموقوفين والتفريج عنهم بنوع من المداهنة أو المداراة لدرء المفسدة الكبرى بارتكاب الأدنى.

· في الوثيقة بعض التعميمات التي يشكو منها الدكتور في مؤلفاته السابقة مما قد يفهم على غير مقصوده.

· من الأخطاء الأساسية في الوثيقة أنها مبنية على فكر (د.فضل) السابق، فأصبحت تهدف إلى تبرير التناقض والاختلاف بين ماكان يقوله سابقاً ومايقوله حالياً، وكان الأولى أن تكون الوثيقة ترشيداً للعمل الجهادي القائم، من خلال دراسته في ضوء الأحكام الشرعية، ثم يمكن لـ (د.فضل) أن يبرر بعد ذلك ما كان مخالفاً لما يقوله به سابقاً.

د – مقتطفات مختارة من الوثيقة.
برغم ماسبقت الإشارة إليه من ملاحظات اتسمت بها وثيقة ترشيد العمل الجهادي، إلا أن الوثيقة احتوت على العديد من التقريرات والتنبيهات المهمة، والتي يحتاج إليها العمل الجهادي، ونسوق هنا بعض العبارات الواردة في ثناياها :

- [ الموقعون على هذه الوثيقة ... يذكرون أنفسهم وعموم المسلمين ببعض الضوابط الشرعية المتصلة بفقه الجهاد، ويعلنون التزامهم بهذه الضوابط الواردة بهذه الوثيقة، ويدعون غيرهم من المسلمين وبصفة خاصة الأجيال الناشئة من شباب الإسلام إلى الالتزام بها وألا يقعوا فيما وقع فيه من سبقهم من مخالفات شرعية عن جهل بالدين أو عن تعمد، فلا هم أقاموا الدين ولا أبقوا على الدنيا خاصة وأن الجهاد فريضة ماضية في أمة المسلمين منذ أن شرعه الله تعالى وإلى أن يقاتل آخرهم الدجال مع السيد المسيح في آخر الزمان كما أخبرنا بذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي وصف الجهاد بأنه (ذروة سنام الإسلام) إذ به يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم وبه عزتهم وكرامتهم في الدنيا والآخرة، ومن هنا لزم ترشيد فهم فريضة الجهاد ]

- [ لا يجوز لغير المؤهلين شرعياً من أفراد الجماعات الجهادية تنزيل ما في بطون كتب السلف من أحكام مطلقة على واقعنا الحاضر، فالنصوص الشرعية (الكتاب والسنة) وإن كانت ثابتة لا تتغير، إلا أن فيها خيارات تناسب كل واقع وحال، وهذا لا يدركه إلا خبير بالشرع ].

- [ كتب علماء السلف كتبهم لزمان غير زماننا، كان للمسلمين فيه دار إسلام وخلافة وخليفة وتميز بين الصفوف وبين الناس بعضهم بعضا، المسلمون في دار الإسلام والكفار في دار الحرب، وفي دار الإسلام يتميز الذمي عن المسلم في المظهر، كل هذا لا وجود له الآن واختلط الناس، وهذا من الواقع المتغير المختلف الذي يوجب الاحتياط عند الاطلاع على كتب السلف وعند الحكم على الناس].

- [ لا يجوز لغير المؤهل أن يقود مثله في عدم الأهلية لخوض صدامات باسم الجهاد، فإن الاحتياط في أمور الدماء والأموال في غاية الوجوب، وقد قال تعالى «يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا» ].

- [لقد رأيت بعض من لا يحسن الإجابة عن سؤال في فقه الصلاة أو الطهارة في حين أنه يفتى ويأمر بإهدار الدماء والأموال بالجملة. فهل يسوغ هذا في دين الإسلام؟]

- [لا تقبل قولاً أو فتوى من أحد خاصة في هذه المسائل الحرجة كالدماء والأموال إلا بحجة، والحجة هي الدليل الشرعي من كتاب الله تعالى أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم الإجماع المعتبر والقياس الصحيح].

- [التحذير من فقه التبرير، وقد كثر في هذا الزمان أن يستحسن إنسان أمرًا ما أو يرتكب حماقة ثم يبحث لها بعد ذلك عن دليل من كتاب أو سنة يبرر به حماقته ويدفع به اللوم عن نفسه، وهذا موجود في الأفراد والجماعات، ولن يعدم أحدهم أن يجـد شـبهة مـن دليـل، ولكنه فهمه وحمله على غير مراد الشارع كما قال تعالى «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا» ]

- [ فلولا الجهاد في فلسطين لزحف اليهود منذ زمن على الدول المجاورة، ولولا الجهاد في العراق لزحفت أميركا على سورية منذ زمن ولاستعبدت شعوب المنطقة، فلا يحل لمسلم أن يطعن في فرائض الشريعة كالجهاد وإرهاب الأعداء إذ بذلك يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم، فلسطين ].

هـ – ردود الفعل
جاءت ردود الفعل على صدور (الوثيقة) قوية ومباشرة وسريعة من عدد من أصحاب الاتجاه المخالف لمحتواها، وكلهم -حسب تقديري- عاملها بالنقد الصارخ مع ضعف في الموضوعية : الظواهري - أبويحيى – أبواليزيد – هاني السباعي.
وأعتقد أن سبب ذلك خوفهم من تأثيرها على أبناء التيار الجهادي وذلك لقوة تأثير ( د. فضل) العلمي وتاريخه الجهادي المعروف.
ومن أشهر ما كتب في الرد على (الوثيقة) كتاب د. أيمن الظواهري المسمى ( التبرئة).
وهاأنذا أسوق عدداً من الوقفات على كتاب التبرئة :
· حاول الكاتب أن يبتعد عن التجريح والعبارات الخشنة ما أمكنه ذلك لكنه لم يستطع في بعض المواضع وإن كان الغالب على الرسالة محاولة الهدوء والحرص على الموضوعية في النقاش والرد.

· ركز الكاتب على الملاحظات دون أن يعترف ببعض الجوانب الإيجابية في الرسالة، والتي من بينها ماسبقت الإشارة إليه في (إيجابيات في وثيقة الترشيد).

· حاد الكاتب عن الإجابة على بعض التساؤلات المحرجة ومنها : معصية أسامة للملا محمد عمر بالعمل في الخارج ، حيث حاد إلى ذكر تخطيط أمريكا لضرب أفغانستان وإلى الموقف المشرف الذي وقفه الملا محمد عمر، وتجاهل السؤال الذي طرحه(د.فضل) بشكل جلي في الوثيقة.

· ألزم الكاتب صاحب الوثيقة بلوازم لاتلزم وفهم عبارات الوثيقة بطريقة لعل الكاتب لم يقصدها.

· يلاحظ أن الظواهري لم ينتقد (د.فضل) في ثناء الأخير على (حزب الله) وكأن صاحب التبرئة يوافقه على ذلك.

· كما أن (د. فضل) انتقد كثيراً أداء القاعدة دون أن يعترف بأن جزءاً من تلك الأخطاء والانحرافات بسبب ماكتبه هو، فإن د. أيمن الظواهري كذلك قد وقع فيما وقع فيه (د.فضل) حين لم يعترف بتجاوزات القاعدة وأخطائها التي شوهت صورة الجهاد وأضرت ببعض المواقع الساخنة وأعطت الذريعة للأعداء للتدخل في البلاد الإسلامية، وهذا التنصل عن الاعتراف مما يضعف المصداقية في طرحه، مع أن الحديث عن الأضرار التي تترتب على بعض أعمال القاعدة ليست مما تفرد به (د. فضل) بل لقد شاركه كثيرون ممن لا يشك فيهم صاحب التبرئة مثل أبي مصعب السوري الذي كتب عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

· يلاحظ القارئ لكتاب التبرئة أن د. الظواهري قد اعتبر هذه الوثيقة - لكونها تنتقد القاعدة وتصرفاتها – اعتبرها تصب في خدمة المشروع الصليبي، وكان من ضمن ماقاله الظواهري: (فهذه التراجعات لم تكتب في ظروف القهر والسجن والخوف فقط، ولكنها كتبت بإشراف، وتوجيه، وتدبير وتمويل وإمكانات الحملة الصليبية اليهودية)!! وهو بذلك يغلق الباب أمام جميع الناصحين، ويعتبر أي نقد موجه للقاعدة وقوفاً مع الصليبيين في خندق واحد!.

· تأرجح الكاتب في نقده لصاحب الوثيقة فحيناً يجعل المسبب لكتابتها (الإكراه) وحيناً يتهم الكاتب في نيته، وأنه كتبها طمعاً في الدنيا، أو رغبة في الخروج من السجن.

و - وقفات حول ترشيد العمل الجهادي :
(1) واجب أهل العلم :
إن على أهل العلم الربانيين أن يتدخلوا لترشيد العمل الجهادي وإخراجه من دائرة التهارج بين التيارات المتباينة مابين تيار محبط يدعو للاستكانة والخنوع والاستسلام للعدو، وتيار متهور يعلن الحرب على كل من حوله من غير بصيرة بالهدي النبوي وظروف الواقع التي يعيشها والآثار السلبية المترتبة على كلا القولين فادحة تتجرعها الأمة في عدد من ميادينها وساحات العمل فيها.
وبخاصة أن الانحراف في مجال الجهاد له آثاره المتعدية والفتاكة مابين تشويه صورة الجهاد وإعطاء العدو الفرصة للتخذيل عنه وإساءة فهمه من قبل المخاطبين به من أبناء الأمة الإسلامية إلى تسويغ التدخل الأجنبي في البلاد الإسلامية وإيجاد الذريعة لذلك .
ولذا يجب التصدي لهذا الانحراف بكل قوة حتى لو أدى إلى خسارة بعض الفئات المتهورة وتحذير الأمة من مسلكها وأنها لا تمثل المشروع الجهادي .

(2) التحفظ غير المشروع :
قد يتحفظ بعض المخلصين عن نقد التيار الجهادي، ويعد ذلك صورة من إعانة الأعداء و تخذيل المجاهدين، وهذا في نظري نقص في التصور وبعد عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الترشيد، فإن الانحراف الموجود لدى بعض أبناء التيار الجهادية ( مثل العمل في البلاد الإسلامية واستهداف المخالفين من أهل السنة) أضر على الجهاد وعلى أهل السنة مما يقوم به الأعداء الصرحاء.
ومع تقديري لورع هؤلاء المخلصين المتحفظين على نقد التيار الجهادي ونصحهم ورغبتهم في الخير إلا أن منهج القرآن والسنة أولى بالاتباع، والحق أحب إلينا من كل حبيب.
إن السكوت عن هذا الانحراف مع كثرة التجاوزات هو في الحقيقة ضرب من الخيانة للعمل الجهادي ومحاباة للناس على حساب الشرع ، وتضييع لمصلحة الأمة وهو سبب للفشل والهزيمة.
وإن الداعين إلى ترشيد العمل الجهادي هم أنصار الجهاد الحقيقيين وهم الأكثر غيرة على واقعه ومستقبله، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي يرويه أنس رضي الله عنه "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره" أخرجه البخاري.
ولقد كان من منهج القرآن والسنة : نقد المخطئين علانية والتبرؤ من عملهم، ولم يجامل القرآن الكريم خيار هذه الأمة من الصحابة، بل لامهم وعاب عليهم فعلهم عندما وقع منهم الخطأ في معركة أحد، إذ يقول تعالى (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)، فإذا كان القرآن لم يجامل خيار هذه الأمة، فكيف لنا أن نسكت عن أخطاء من دونهم؟.

(3) عدم الترشيد سبب للفشل والهزيمة:
إذا كانت الهزيمة في معركة أحد تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم بسبب معصية الرماة (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنىّ هذا؟ قل: هو من عند أنفسكم)، وإذا كان الصحابة الكرام تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم قد عوقبوا بالهزيمة والقتل والجراح في (أحد) بسبب معصية بعضهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف سيكون أثر هذه التجاوزات الكبيرة التي تقع من بعض المجاهدين اليوم؟
وهل يمكن أن يتنزل النصر والحالة هذه؟ إن الله تعالى قد وعد المؤمنين بالنصر، ولكن ذلك مرهون بأن يحقق المؤمنون في أنفسهم شرط هذا الوعد الرباني ، وإلا فسوف تجري عليهم سنن الله تعالى التي لاتحابي أحداً، مع كثرة عدوهم وكثرة عدته، وقلتهم وقلة عتادهم .

(4) التجاوزات المنهجية:
إن ما يقع الآن من تجاوزات وانحرافات من قبل المنتسبين للتيار الجهادي ليست من الأخطاء العارضة التي تقع دون قصد، ولكنه بات منهجاً مطرداً له سمات ومعالم تميزه عن غيره، ومن تلك السمات: انتهاك حرمة المخالف، واستباحة دمه، والتساهل في شأن الدماء بعامة، والإسراف في القتل تحت ذريعة التترس، والغلو في الحكم على الآخرين من المجاهدين والعلماء والدعاة، والتهاون في التكفير، وتنزيل الأحكام على الأعيان من غير مراعاة لضوابط أهل العلم في ذلك، وتقع هذه الأخطاء بشكل منتظم، وتتكرر دون إنكار أو محاسبة.

وختاماً ..

أرجو أن أكون قد أوصلت للقارئ الكريم عموماً، ولأبناء التيار الجهادي خصوصاً رسالة مهمة، وهي ضرورة ترشيد العمل الجهادي، وتصويبه، وتقويمه، ومعالجة الأخطاء و الانحرافات حين وقوعها، بالعودة إلى الكتاب والسنة، والتأمل في السيرة النبوية الشريفة، وسير السلف الصالح، طمعاً في تحقيق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، والسير على منهاجه، وتحقيق النصر لهذا الدين، والرفعة لهذه الأمة المباركة.
وأن من الواجب علينا قبول الحق ممن جاء به، ولا يصدّ عنه كونه صادراً ممن عرف عنه القول بخلافه سابقاً، فإنه لا يبطل الحق سبق المخالفة له، ولا يبطل الحق أن ينطق به المرء في ظروف وأحوال غير مناسبة، فالحق أحق أن يتبع أياً كان قائله، فهو ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها .

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.