قراءة في الخطاب الجديد للشيخ أسامة بن لادن

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)
* جاء خطاب الشيخ أسامة بن لادن بعد انقطاع طويل، كثر بموجبه التشكيك والتخرصات بحال الشيخ وصحته، فكان خروجه قاطعاً للجدل حول وضعه. كما جاء خطابه ضربة موجعة لخصومه، ظهر بها حجم الفشل لكل مشاريع تعقبه، ومحاولة القبض عليه أو قتله حتى أدى بهم ذلك إلى الأماني بأن يكون المرض قد قضى عليه، وأراحهم من هذه المشكلة المستعصية. كما جاء خروجه ليغمر محبيه بالفرح والاستبشار وعودة الأمل بعد أن كاد القلق بشأنه أن يقضي على آمال الكثيرين منهم، وقد بلغ بهم الإرجاف كل مبلغ، فبعث الخطاب فيهم الحماس من جديد، وتجدد لهم النشاط لمواصلة الجهاد وتأييد المجاهدين.

* يوجد بالتسجيل ملاحظة فنية، وهي أن الصورة المتحركة لا تزيد عن ثلاث دقائق أما باقي التسجيل فصوت مستمر مع صورة ثابتة ، مما يثير عددا من التساؤلات حول سبب ذلك والمقصود به، والذي أراه أن ما حصل في الشريط لا يعدو أن يكون خللاً فنيا في التسجيل ولا يحمل أي دلالة أكثر من ذلك.

* يلاحظ على الخطاب هدوءه وسكينته، حيث يخلو من أسلوب التهديد أو التعنيف الذي تميز به أسلوب د.أيمن الظواهري مما يعطي نفساً عاما بالفرق بين الرجلين.

* حمل الخطاب عدداً من الرسائل ومن أهمها:

- دعوة الشعب الأمريكي إلى الإسلام وبيان الحق الذي حرص الإعلام الأمريكي على تشويهه، وبيان محاسن الدين الإسلامي وموقفه من النصرانية ومن عيسى عليه السلام وأمه.

- نقد القيادة الأمريكية وأن الشعب الأمريكي والجيش بصفة خاصة يدفع ثمن مغامرة قيادته التي تسعى لتحقيق مصالح الشركات الكبرى التي تتاجر براحة الشعب الأمريكي وأمنه ورخائه.

- يحمل الخطاب طابع التهدئة مع كل الفئات ، حتى الحديث عن الحكام جاء بعبارة لينة.

- بعث الخطاب برسالة تطمين صريحة لغير المعتدين من اليهود والنصارى في البلاد الإسلامية، وإذا كان ذلك كذلك، فإن الخطاب يتضمن - من باب أولى- رسالة تطمين للشعوب الإسلامية بأن الضرر والرعب لن يأتي من قبله.

- يوجه الخطاب رسالة واضحة للشباب الذين يتبنون تيار العنف في البلاد الإسلامية بالتهدئة والبعد عن الإضرار بالآخرين لأن الدين الإسلامي دين الرحمة والعدل يرفض الاعتداء، بل هو ملاذ المظلومين والمضطهدين من أصحاب الديانات الأخرى كما حصل مع اليهود الأسبان الذين جاءوا إلى المغرب هرباً من بطش محاكم التفتيش النصرانية.

* وهنا يتبادر سؤال مهم: ما سبب اختلاف طرح الشيخ في هذا الخطاب عن خطاباته السابقة التي يظهر فيها والسلاح بجواره، حيث لا تخلو تلك الخطابات من عبارات التهديد والوعيد؟.

وللإجابة على ذلك السؤال أقول :

يبدو لي أن هذا الخطاب جاء منسجما مع طبيعة الشيخ وطريقة تفكيره، فعبَّر عن رؤيته بشكل واضح وجلي حين أصبح في جوٍ هادئٍ بعيداً عن المؤثرات التي قد تدفعه لعبارات وأطروحات لا تتلائم مع قناعاته وطبيعته المعروفة عنه. كما أن ذلك قد يكون استجابة لنصح الناصحين الذين بعثوا له نداءات متعددة ممن يعرفهم ويحسن الظن بهم.

ويبدو لي أن من أهداف الخطاب الجديد للشيخ : تصحيح ما وقع من أخطاء في الخطاب الإعلامي للقاعدة، حيث نجح العدو في استثمار الأداء الإعلامي للقاعدة - وبخاصة في العراق- من أجل تشويه صورة الإسلام بشكل عام والجهاد بشكل خاص في العالم أجمع، فجاء خطاب الشيخ ليعرض محاسن الإسلام والجهاد وينفي الظلم والاعتداء، ويذكر بأن الإرهاب صفة الكفار، وأن ما يقع من المجاهدين إنما هو من باب دفع الظلم، فنحن أمة تأبى الضيم.

ولهذا : أدعو الإخوة من محبي الشيخ ومؤيديه إلى أن يستجيبوا للرسائل التي أراد الشيخ إيصالها إليهم ، وأن يسلكوا مسلكه في التهدئة، فهاهو لم يشتم أحداً ولم يجازف بإطلاق الردة والتكفير هنا وهناك، كما أنه لم يعط الإعلام المعادي أي فرصة لاستثمار أطروحاته في تشويه صورة الإسلام والجهاد.

ولاشك أن تبني أعمال العنف التي تجري داخل البلاد الإسلامية لا يتناسب مع طرح الشيخ في هذا الخطاب، وحتى لو لم يكن في الخطاب نقد صريح لتلك الأعمال فإن تلك الإشارة تهدف إلى منع أعداء الإسلام من استثمار ذلك في النيل من المجاهدين، فأرسل تلك الرسائل إليهم بشكل غير مباشر. فهل يحظى المسلمون في البلاد الإسلامية بتطمينات من قبل الشباب على نحو من هذا التطمين الذي أعطاه الشيخ ليهود المغرب وأقباط مصر؟

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد

تم تحريره في 3 رمضان 1428 هـ

نصيحة لكتاب التيار الجهادي

( أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه )

من المتقرر لدى المهتمين بالشأن الإسلامي عموماً، وبالشأن الجهادي بشكل خاص أهمية الإعلام ودوره في التأثير على قناعات الناس، وأن الصراع مع الأعداء لا يقتصر على القتال وأن (الحرب الإعلامية) لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية، ولهذا اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بالجانب الإعلامي في الحرب ووظف الطاقات المتاحة في عصره لمواجهة إعلام الأعداء.والإعلام في هذا العصر - مع التطور التقني - أصبح أكبر تأثيراً من ذي قبل، وقد سعى العدو إلى توظيفه في حربه ضد المسلمين بشكل كبير، ونجح في ذلك – وللأسف – حيث مارس نشاطه في صفوف المسلمين ممن يعدهم المجاهدون ليكونوا خطهم الخلفي وعمقهم الاستراتيجي، وأدى النجاح الإعلامي للعدو إلى تشويه صورة المجاهدين والجهاد بعامة في نفوس كثير من المسلمين، فلم يسلم المجاهدون من ألسنة عامة المسلمين فكيف يتوقع منهم أن يكونوا أنصاراً للجهاد.ومن أجل مواجهة هذه الحرب الإعلامية فلابد من العمل على عدة محاور، وأن تتظافر على ذلك جميع الطاقات الجهادية كل في ميدانه.وحيث أن ميدان (الانترنت) من الميادين المهمة في الإعلام المعاصر فإن هذه المقالة موجهة إلى هذا الجانب تحديداً، وهنالك جوانب أخرى كثيرة ومهمة من الحرب الإعلامية يمكن مناقشتها في مقالات لاحقة.ولاشك عندي أن التيار الجهادي قد استثمر شبكة الانترنت استثماراً كبيراً واستفاد منها في تسويق مشروعه الجهادي، وجلب الأنصار والدعم لصالحه، ومع ذلك فإن بالإمكان تطوير أداء المجاهدين على الشبكة، ورفع مستوى التأثير لكتاباتهم، وتوسيع دائرة الاستقطاب والتوظيف لطاقات الأمة، ولهذا كتبت هذه المقالة التي تصب في تطوير الأداء وهي تحمل مجموعة نصائح لكتاب التيار الجهادي، أرجو أن يتأملها الإخوة وينتفعوا بما فيها، ويمعنوا فيها النظر .وإليك – أخي الكاتب الجهادي – هذه الوصايا والملاحظات :
أولا:
الثقة بنصر الله وتحقيق وعده للمؤمنين، فالنصر أشمل من أن يكون في ميدان القتال فحسب، فكل ميادين المواجهة مع العدو يترقب فيها المؤمن نصر الله ومعونته حيث يعلم أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، وقد قال الله تعالى : (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وقال سبحانه : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وقال : (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) هذه النصوص وغيرها تكسب المؤمن ثقة بنصر الله مع قلة الإمكانات وضعف الطاقات مقارنة بما يملكه العدو، وليس على المؤمن إلا بذل الجهد والوسع والطاقة وفق ما أمر الله، أما النجاح وتحقق النتائج فذلك موكول إلى الله سبحانه.
ثانياً :
تحمل مسؤولية وأمانة الكلمة التي يكتبها، وأهمية المراقبة لله تعالى في كل حرف تخطه يداه، وأن يتأكد من تحقيقه لمقصود الشرع الحنيف، فصلاح النية وحده ليس كافيا، إذ لابد من تجنب الانتصار للنفس وترك اتباع الهوى، ولابد مع ذلك كله من صلاح العمل وموافقته للشرع، ولابد أن يدرك الكاتب أنه بما يكتبه من مقالات وردود يمثل اتجاها مهما في الأمة (الاتجاه الجهادي) وأنه قد يحسن إلى ذلك الاتجاه أو يسيء وفق ما يكتبه من موضوعات، وليعلم أن بعض الكتابات المنسوبة لأبناء هذا الاتجاه تعطي انطباعاً سلبياً عن الجهاد، ووصف أصحابه بالحدة والعنف وعدم التروي وسرعة تنزيل الأحكام من غير روية أو دليل. ولاشك أن حسن الأداء، ودقة النقل، والصدق، من أسباب تحصيل المصداقية والقبول لدى القراء، ولا ينبغي أن يكون التخفي خلف المعرفات المجهولة سبباً في تناسي الكاتب (مسؤولية الكلمة)، أو الغفلة عن مراقبة العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافيه في الأرض ولا في السماء.
ثالثاً :
الاهتمام بجمع كلمة المجاهدين، وبث ثقافة الوحدة والاجتماع، وعدم إتاحة الفرصة لدعاة الفرقة والمتحزبين من الأعداء أو المحبين. وكثيراً ما يؤتى العمل من قبل المحب المتحمس الذي لا يقدّر عواقب ما يقوم به من هجوم على إخوانه لمجرد المخالفة وهو يظن بذلك أنه يحسن صنعاً، و لو تقرر لدينا أن النصر المنشود لا يمكن أن يتحقق على يد طائفة واحدة من طوائف المجاهدين، بل ولا بالمجاهدين وحدهم بعيداً عن العلماء والمختصين في السياسة والاقتصاد والإعلام، بل وعموم المسلمين، لو تقرر لدينا ذلك لغلّبنا جانب جمع الكلمة وتوحيد الصف على الانتصار لطائفة أو التحزب لجماعة.
رابعاً :
الحذر من الاختراق الأمني والفكري.
أما الاختراق الأمني : فإنه قد يحصل بوجود بعض الكتاب الذين يعملون لصالح جهات استخباراتية ولكنهم يكتبون بما ظاهره تأييد التيار الجهادي وحقيقته تشويه صورة الجهاد، من خلال الكتابات المتطرفة التي تعطي الانطباع السيئ عن هذا التيار، وتنفر الناس من حوله، ومن خلال السعي للتفريق بين الفصائل الجهادية، وإثارة الشبه حول بعض القيادات في العمل الجهادي، وإحداث الفجوة بين العلماء والمجاهدين...، إلى غير ذلك مما يجب أن يكون المجاهدون على حذر منه، ويجب أن ندرك أنه لا يمكن للاستخبارات العربية والأجنبية أن تقف من المنتديات الحوارية والمواقع الجهادية موقف المتفرج، وأن العدو لا يكشر عن أنيابه دوماً، بل قد يظهر في صورة الموافق ليحقق أهدافاً أكبر وأخطر، وليتأمل القارئ الكريم عدم تعرض كثير من المواقع للإغلاق والإلغاء من قبل الأعداء مع قدرتهم على ذلك، مما يوحي بأنهم يحققون من ورائها مكاسب تستحق الإبقاء عليها مع ما ينالهم منها من المفاسد. وأما الاختراق الفكري : فذلك حين يكتب بعض أبناء التيار الجهادي من قليلي العلم، ويخوضون فيما لا يحسنون من أبواب (التكفير) و(الحكم على المخالف) وغير ذلك، فينشر الغلو والفكر المنحرف داخل التيار، مما يحرفه عن مساره، ويحرمه توفيق الله ونصره، ويكون سبباً في الخذلان.
خامساً :
الالتزام بالصدق في الأخبار، ويدخل في ذلك التثبت عند النقل، فـ(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) ويجب على الكاتب أن لا يسارع بتصديق ونشر الخبر الذي تميل نفسه إليه إلا بعد أن يخضعه لمعايير التحري والتوثيق، وأن يتثبت من مصداقية الخبر، حتى يتعامل مع الواقع الفعلي لا مع ما يتمنى حدوثه.
سادساً :
العدل في الأحكام، بحيث لا تحملنا الخصومة والعداء على الحيف والظلم، والله تعالى يقول: (ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) فعداوة الكفار – حتى في حال الحرب - لا تمنع من تحقيق العدل معهم، ولا تجيز إيقاع الظلم عليهم، فإذا كان هذا في التعامل مع الكفار المحاربين، فكيف بالمخالفين من عامة المسلمين فضلاً عن المجاهدين.
سابعاً:
الرفق والرحمة، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولانزع من شيء إلا شانه، وقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وليس يجني الكاتب من استخدام أسلوب العنف والاستطالة على أعراض المخالفين سوى العداوات وامتلاء القلوب بالحقد والكراهية مما يضر بصاحبه في الدنيا والآخرة، ويمنعه من تحقيق أهدافه المشروعة.
ثامناً :
تجنب الكتابة فيما لا يحسنه الكاتب، والاستفادة من المختصين في المواضيع التي يرغب الكتابة فيها.
تاسعاً :
تعويد النفس على قبول النقد والاعتراف بالخطأ، ونقد الذات, فذلك سبيل للثقة والاطمئنان على مسار العمل , وقد دلت النصوص المتوافرة على ذلك , إذ الهدف من نقد الذات والاعتراف بالخطأ أن يتم التصحيح و تجنب الأخطاء , وقد عاتب الله المؤمنين بعد معركة أحد بقرآن يتلى على مر الزمان إذ يقول سبحانه ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)، وقال في موضع آخر ( قل هو من عند أنفسكم) فانظر كيف أبان الله واقع المسلمين آنذاك لما فيه من المصلحة، مع أن العدو الكافر قد يستثمر هذا العتاب في الشماتة بالمسلمين.وهاهو صلى الله عله وسلم يقول عن خالد بن الوليد رضي الله عنه: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) , فلم يسكت عليه الصلاة والسلام على خطأ خالد تحت ذريعة أن لا يستغل كلامه الأعداء و يشمتون بخالد رضي الله عنه , كما أن نقده لخالد لم يحرمه من أن يصفه بأنه سيف سله الله على المشركين. وحتى لو ترتب على نقد الذات حصول بعض المفاسد فإنها تنغمر في الكثير من المصالح المترتبة عليه، وهذا لايعني بطبيعة الحال تعقب المجاهدين و التنقيب عن أخطائهم وإشاعتها , ولكن الحق في التوسط بين التضليل و التخذيل. خلافا لما يظنه بعض الكتاب من أن النقد يعني العداوة أو الكراهية, أو أنه يتسبب في التشكيك و إضعاف ثقة الناس بالمجاهدين. فتجد بعض كتاب التيار الجهادي يسارعون إلى اتهام الناقدين بالعمالة , وسبهم وشتمهم, وهذا دليل على ضعف الثقة بالنفس و التخوف من النقد , وإلا فأي مشروع هذا الذي يمكن أن يتهاوى بمقالة ناقد أو طعن طاعن , والحق لا يضره النقد الهادف البناء بل ينفعه ويقويه.
عاشراً :
البعد عن الضجيج و الزخم الإعلامي الذي لا يقف خلفه عمل حقيقي في الواقع, لأن ضرر هذا أكثر من نفعه, وقد ينقلب إحباطا يعصف بأنصار الجهاد ومحبيه والمتعاطفين معه، ومن نماذج ذلك ما حصل إبان الغزو الأمريكي لأفغانستان حيث تتابعت الرسائل والإخبار التي تفيد بمقتل مئات الأمريكيين في موقعة هنا أو هناك، وهي أرقام كبيرة , و أخبار مصنوعة لا صحة لها في الواقع , صنعها المحبون الذين يكذبون للجهاد وليس عليه, فماذا كانت النتيجة لقد انقشع الغبار عن قتلى وأسرى وجراح غائرة وإحباط كبير لكثير من المحبين الذين يتابعون الأخبار بلهفة و يصدقونها بحماس، ولا يقبلون مجرد التردد والتشكيك في صحتها.ومن نماذجه : ماكان يردده الأستاذ سياف في بيشاور أيام الجهاد الأفغاني الأول حيث كان يقول : (من كابل إلى القدس) و يجد من يصدق هذه العبارة ويكبر لها !! ولنا أن نتساءل اليوم: إلى أين انتهت هذه المقولة.ولقد كنا دائما ننقل للناس الصورة المشرقة للجهاد الأفغاني، حتى تفاجأ الناس بالاقتتال الشرس بين قادة الجهاد هناك، والذين مافتئنا نزكيهم ونمدحهم و نعلق عليهم آمال الأمة في قيام دولة إسلامية على أرض أفغانستان.
فعلى كتاب التيار الجهادي التعامل مع الواقع كما هو، وعدم المبالغة في نسج الصور الخيالية والمثالية حتى لا يتكرر الإحباط لدى المتعاطفين مع الجهاد.كانت تلك جملة من الوصايا التي أحببت أن أضعها بين يدي إخواني من كتاب التيار الجهادي، بهدف ترشيد وتطوير العمل، وتصويبه وتقويم مساره.

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد
تم تحريره في 21 رجب 1428 هـ

القاعدة.. انقلاب أبيض

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)


بدأ الشيخ أسامة بن لادن بتكوين "القاعدة" كتنظيم عسكري عالمي، يقوم على فكرة موجزة تتلخص في أن قدرات المجاهدين محدودة، وإمكاناتهم متواضعة، فعليهم أن يصرفوها في أولى الأهداف وأهمها، وتحديداً : التركيز على العدو الأوّل للمسلمين (أمريكا) بدلاً من تشتيت الطاقات في أماكن متعددة، وحين تبلورت هذه الفكرة وتحدد الهدف بشكل واضح لدى الشيخ أسامة، بدأ بالعمل على تحقيقه بكل الإمكانات المتاحة له، وذلك من خلال محاور متعددة، منها :
1- التوعية الإعلامية بخطر الأمريكان وعدائهم للمسلمين، وإعانتهم لليهود في فلسطين..
2- الدعوة إلى الحرب الاقتصادية، ومقاطعة البضائع الأمريكية.
3- العمل على إقناع الجماعات الجهادية، والحركات الإسلامية في العالم الإسلامي بتبني هذه الفكرة، وتوحيد الجهود لتحقيقها.
4- تحريض شباب الأمة، وإعدادهم لتحقيق هذا الهدف من خلال البيانات المختلفة، ومعسكرات التدريب وتكوين مجموعات العمل في طول العالم وعرضه.
5- ضرب الأمريكان في عقر دارهم، وتعقبهم في كل مكان من العالم.
ويعتبر الشيخ أسامة بحق هو صاحب فكرة استهداف الأمريكان، وجمع الجهود لذلك والتي لخصها في شعار (ضرب رأس الأفعى)
وقد عانى الكثير لتحقيق هذه المحاور السابقة و كان من أبرز الصعوبات التي واجهها: إقناع الجماعات الجهادية والحركات الإسلامية بتبني هذه الفكرة وترك المشاريع المحلية التي عبر عنها بـ(ذيل الأفعى)، وتأتي مرتبة متأخرة من حيث الأولويات.
وكان من أبعد الجماعات الجهادية عن تبني هذا المشروع (جماعة الجهاد المصرية)، والسبب أن الجماعة من أصلها قامت على فكرة محلية تتلخص في إسقاط النظام المصري وإقامة دولة إسلامية على أنقاضه، ولذا فإن فكرة الشيخ أسامة تتناقض مع الأصل الذي قامت عليه جماعة الجهاد المصرية.
وكانت جماعة الجهاد المصرية تتخذ من أفغانستان محضناً لاستقطاب الشباب وإعدادهم وتدريبهم ثم بعثهم إلى مصر، ولم يكونوا مقتنعين بالقتال في أفغانستان، بخلاف (ابن لادن) الذي توسع في إنشاء المعسكرات وعمل على استقبال أعداد كبيرة من الشباب للتدريب والتأهيل للعمل الجهادي والبيعة على الجهاد في سبيل الله في كافة الأرض وليس في أفغانستان فحسب، وكانت أرض أفغانستان لأبناء القاعدة بمثابة المستشفيات الجامعية لطلاب الطب، إذ كانت موضعاً للتدريب العملي والتطبيق الميداني.
ومن خلال اللقاءات بين (الشيخ أسامة بن لادن) و(الدكتور أيمن الظواهري -جماعة الجهاد المصرية) كان يبرز على السطح دائماً التباين في الرؤية للعمل الجهادي بين المحلي والعالمي.
وكان المصريون في بيشاور وأفغانستان من (جماعة الجهاد المصرية) و(الجماعة الإسلامية) يدعون أبناء الخليج واليمن للعمل في بلادهم ضد الأنظمة، ويحاولون إقناعهم بأن هذا العمل أولى من القتال مع الأفغان، وأن أرض الخليج أولى بإقامة الجهاد فيها من أجل إسقاط الأنظمة وإقامة الدولة الإسلامية هناك، خلافاً لمشروع (ابن لادن) الذي استنفر هؤلاء الشباب واستقطبهم لمشروعه العالمي في ضرب رأس الأفعى.
واستمر الخلاف حول هذه المسألة بين (الشيخ أسامة بن لادن) و(الدكتور أيمن الظواهري) حتى بعد الانتــقال إلى السودان.
وكان أول تقارب حول الفكرة العالمية بينهما، حين وقع (الظواهري) على وثيقة الجبهة العالمية 1998م نيابة عن جماعة الجهاد المصرية، مما جعل مجلس شورى جماعة الجهاد يعاتبه على هذا التصرف ويرفض الانضمام إلى هذه الجبهة لأنها خلاف الأصل الذي قامت عليه الجماعة.
ومنذ ذلك الحين والسؤال الذي أخذ يتردد على ألسنة المراقبين هو : هل استطاع (أسامة بن لادن) أن يغيّر من فكر (الظواهري) حول هذه المسألة الرئيسة، مما جعله ينتقل من المشروع المحلي إلى المشروع العالمي؟ أم أن هنالك أمر آخر ؟.
وبرغم المعوقات التي واجهها (الظواهري) في توجهه الجديد من قبل رفقاء دربه في (جماعة الجهاد) إلا أنه بقي مصراً على هذا التوجه الذي كلّله ببيعته لـ(ابن لادن) في منتصف عام 2001م لينضم إلى تنظيم القاعدة.
فهل كان تحول (الظواهري) عن قناعة؟ أم أنه نتيجة للظروف المحيطة بالعمل و التي جعلت الهدف الذي قامت عليه الجماعة يبتعد شيئاً فشيئاً مع سلسلة النجاحات التي حققها النظام المصري في ضرب الحركة، والتي كان من أهمها :
قيام ألبانيا بتسليم عدد من قيادات الجهاد المصري إلى مصر، والتي تسببت في اعتقال عدد كبير من المنتمين لجماعة الجهاد فيما سمي بقضية (العائدون من ألبانيا).
ضربة (طلائع الفتح) من الشباب الذين عادوا إلى مصر لإحياء العمل في مواجهة النظام حيث اعتقلوا جميعاً وكشفت أوراقهم.
الاختراق الاستخباراتي الذي حققه النظام المصري للجماعة في السودان عن طريق ابن أحد أعضاء مجلس شورى الجماعة.
تضييق الخناق على إقامة وتحرك قيادات الجماعة، حتى في السودان حيث طلب منهم مغادرة البلاد.
الخلاف مع (د. فضل - سيد إمام) أمير الجماعة السابق ومنظرها الفكري والشرعي، والذي فارق الجماعة وأصبح يكتب ضدها.
ضعف التمويل للعمل مما جعله يراوح مكانه ويعجز عن القيام بخططه المرسومة.
هذه الأسباب وغيرها قد تكون أدت إلى إحباط (الظواهري) وتخليه مرحلياً عن فكرته الرئيسة باستهداف النظام المصري.
ويبقى التساؤل هل تغيّر (الظواهري) بالفعل ؟
لم يكن بإمكان المهتمين في هذه القضية الجزم بإجابة واضحة، إلا أن الزمن كفيل بتوضيح الحقيقة.
وفي رأيي إن الحقيقة بدأت تظهر ملامحها في هذه الفترة التي أصبح فيها (الظواهري) الرجل الأول فعلياً في تنظيم القاعدة، كما أصبح قدماء (جماعة الجهاد المصرية) يسيطرون على قيادة (تنظيم القاعدة) والتي تكللت بتعيين (الشيخ سعيد - المحاسب) رئيساً للتنظيم في أفغانستان، إضافة إلى تعيين (أبي أيوب المصري) قائداً فعلياً للقاعدة في (الدولة الإسلامية في العراق)، و(محمد مكاوي - سيف العدل) رئيساً للمجلس العسكري للعمل في الخارج، والموجود حالياً في إيران.
والذي يظهر لي أن (تنظيم القاعدة) بدأ يتجه في خط آخر منذ تعيين (القيادات الجديدة)، هذا الخط الذي ينقض أصل الفكرة التي قام عليها (تنظيم القاعدة) يوم أن بدأه (الشيخ أسامة بن لادن)، ولهذا بدأ التحول من ضرب رأس الأفعى إلى ضرب ذيلها، واستهداف الأنظمة بدلاً من أمريكا، وهو ما يمكن اعتباره (انقلاباً أبيضاً) داخل القاعدة
ويمكن إجمال أبرز معالم التحول الجديد الذي أسميته بـ (الانقلاب الأبيض) فيما يلي :
1- في الجانب الإعلامي : حيث وقع تحول كبير في الخطاب الإعلامي إذ بدأ يتجه بشكل حاد ومستفيض للحديث عن الأنظمة، والدعوة إلى إسقاطها، وبشكل متكرر يكاد يطغى على الحديث عن أمريكا وبريطانيا اللتين تمثلان رأس الأفعى.
2- في الجانب العملي : حيث نفذ التنظيم عدداً من العمليات في البلاد العربية والإسلامية، وهي عمليات تصب في المشروع المحلي على حساب المشروع العالمي، ومن ذلك العمليات في السعودية والكويت والمغرب والجزائر مما لا يمكن تصنيفه بأي حال أنه ضرب لرأس الأفعى.
3- توجه (د. أيمن الظواهري) في خطابه لاستهداف "حركة الإخوان المسلمين" والحملة عليهم، حتى أن المجاهدين الذين يتخندقون في مواجهة اليهود من المحسوبين على "الإخوان" كـ" حركة حماس"، لم يسلموا من نقد الدكتور وهجومه الصارخ عليهم، وكأنها تصفية حسابات قديمة، ولئن كانت تليق بمسؤول في جماعة إقليمية في مصر أو غيرها، فإنها لا تليق بالرجل الأول أو الثاني في جماعة عالمية.
4- اللغة الهادئة بل والمؤيدة عند الحديث عن "حزب الله" أو "إيران"، هذه العلاقة معروفة سابقاً عن جماعة الجهاد المصرية من أيام الخميني وإلى اليوم، ويعتبر إقحام (تنظيم القاعدة) العالمي في هذا الاتجاه ذا أبعاد خطيرة على سمعة التنظيم وولاء أهل السنة له وثقتهم فيه، كما أن له أثراً على مستقبل العمل مما قد يعيد دور ابن العلقمي حين تغدر إيران وتبيع (القاعدة) لأمريكا، في صفقة تحقق لها مرحلة من مشروعها الصفوي الفارسي في العالم الإسلامي.
هذه بعض المعالم التي تؤكّد أن (تنظيم القاعدة) يشهد تحولاً خطيراً في ظل قيادة (د. أيمن الظواهري) وقدماء (حركة الجهاد المصرية) لها، ولا أستطيع أن أجزم بأن (الظواهري) قد دخل مع (الشيخ أسامة بن لادن) وفي ذهنه البقاء على مشروعه المحلي، مترقباً الفرصة لتحقيقه على يد (القاعدة)، وإن كان ذلك احتمالا وارداً ؛ إذ قد يكون التحول تم بشكل تلقائي غير مرتب بشكل مسبق، بسبب طبيعة (الظواهري) وتكوينه الفكري السابق مما جعله يتحول إلى الأهداف المحلية.
ويحتمل أن يكون (الظواهري) قد رأى أن المشروع العالمي أصبح متعثراً ومتعذراً بسبب الاحتياطات الأمنية التي اتخذتها أمريكا ودول أوروبا، وأن الدول العربية والإسلامية باتت أسهل للاستهداف.
ويبقى التساؤل الأخير : ما هو مستقبل القاعدة في ظل التحول الجديد ؟
وجواباً على ذلك أقول : إن (تنظيم القاعدة) بهذا التحول الجديد فقد الأصل الذي قام عليه، والفكرة التي جمعت الأمة، وأكسبته التعاطف من عموم المسلمين، بفكرته البسيطة الواضحة المقبولة من الناحية الشرعية والسياسية الواقعية.
ذلك أن أمريكا استفزت الناس وقتلت وأسرت ودمرت في بلاد المسلمين، وملئت قلوب المسلمين - برهم وفاجرهم- حنقاً عليها، كما أنها تمارس الاحتلال العسكري المباشر لأفغانستان والعراق، وتقدم المساعدة الكاملة لليهود في فلسطين، وتعتقل المئات من المسلمين، مما جعل هذه الفكرة وهي (ضرب رأس الأفعى) محل إجماع بين كثير من المسلمين، مما يجعل من الصعب على أولياء أمريكا الدفاع عنها، وكل من قام بذلك من المسلمين وغيرهم سقط من أعينهم وانضم إلى عدوهم المجمع على عداوته.
وبفقدان (تنظيم القاعدة) لهذه المكتسبات واقتحامه لمسائل يختلف الناس حولها باستهداف الأنظمة والعمل في البلاد الإسلامية فإنه – برأيي – مؤدِ في النهاية إلى انحسار مد (تنظيم القاعدة)، وفقدانه الكثير من أنصاره والمتعاطفين معه، وبخاصة في المناطق خارج الهدف الأصلي، فجهاد المحتل في أفغانستان والعراق وفلسطين والشيشان يحظى بدعم المسلمين وتعاطفهم، لكنه لا يحظى بذلك حين يكون العمل في مصر والأردن والسعودية وغيرها.
ومهما بذل (الظواهري) من جهود إعلامية وخطب وبيانات فلن يتقدم العمل خطوة إلى الأمام بل سيعود إلى المربع الأول : جماعة الجهاد المصرية.
ولينظر (الظواهري) إلى المؤيدين لـ(جماعة الجهاد) بعد السلسلة الماضية من الإخفاقات ومدى العزوف عن أطروحاته، وإذا كان هذا الحال في مصر التي هي معقل التنظيم – صاحب الفكرة – التي تربى عدد من شبابها على أدبياته، فلن تكون الحال أحسن في غيرها من المناطق وبخاصة دول الخليج التي تزخر بالعلماء الربانيين الذي لازالوا محل ثقة الشباب، وقد أبانوا عن موقفهم من المشروع المحلي بشكل واضح جداً، وعبروا عنه بشكل علني.
وقد خاضت تلك البلاد تجربة ثبت فشلها برغم أنها ترفع شعار استهداف المصالح الأمريكية وإخراج المشركين من جزيرة العرب، فكيف يتوقع أن تحقق نجاحاً حين يكون المشروع استهداف الأنظمة الذي يطرحه (الظواهري) اليوم.
ولست هنا بصدد الحديث عن مشروعية هذا العمل من عدمه، فلعل ذلك يكون موضوع مقال قادم بإذن الله، لكني هنا أتحدث عن مدى واقعية المشروع وإمكانية نجاحه.
نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد

تم تحريره في 5 شعبان 1428هـ

القاعدة وإيران


(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)

يحاول بعض الخصوم لمز (تنظيم القاعدة) بسبب علاقتها مع إيران، ومحاولة تفسير هذه العلاقة بأسلوب قذر يخالف الموضوعية، حيث ليس لديهم أكثر من مجرد تخرصات وأوهام وظنون قادهم إليها طبعهم الرديء
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه *** وصدق ما يعتاده من توهم
وحيث أن بعض هؤلاء الخصوم لا يجدون غضاضة في العمالة لأمريكا والغرب بشكل عام؛ فهم أحقر من أن يكونوا مجال حديثنا.
لكن الموضوع في ذاته مهم، ولابد أن يكون مجال حوار بين الإسلاميين بشكل عام والتيار الجهادي بشكل خاص لأن له عواقب وآثار جديرة بالدراسة والتأمل.
وأمام ما يثار في وسائل إعلامية مختلفة من تحليلات وأخبار عن علاقة القاعدة بإيران، ينفي أنصار القاعدة هذا الاتهام بقوة ويشتمون ويتهمون كل من يثير هذه التهمة، وتتعامل قيادة القاعدة مع ما يثار بصمت تام حيث لا تعليق !!.
وللحوار حول هذه المسألة أطرح عدداً من الأسئلة:
ما حكم العلاقة بإيران من الناحية الشرعية ؟
ما صحة ما يثار من علاقة بين القاعدة وإيران ؟ وما تفسير هذه العلاقة إن وجدت ؟
كيف يتصور وجود علاقة بين القاعدة وإيران، مع ما يجري في العراق وبخاصة بعد تهديدات أبي عمر البغدادي الصريحة لإيران ؟
وجواباً على تلك الأسئلة أقول مستعيناً بالله، سائلاً إياه التوفيق للحق والصواب :
حكم العلاقة بإيران من الناحية الشرعية :
يعتمد كثير من الإسلاميين في علاقتهم ببعض الكفار أو أهل البدع لمواجهة مبتدعة آخرين أو كفار أشد بنصوص من السيرة النبوية الشريفة، وبأقوال لأهل العلم، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استثمر قرابته لعمه أبي طالب؛ حيث كان يحوطه ويدفع عنه، وكذا قرابته من بني هاشم الذين دخلوا معه الشعب ولم يكونوا على دينه، وكذا حضور العباس بيعة العقبة ليستوثق لابن أخيه، وكان يومئذ مشركاً، وكذلك حلف الفضول الذي تعاقد فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين على نصرة المظلوم، ومعاهدة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود على حماية المدينة من كل غاز لها.
إضافة إلى الاستناد إلى القواعد الفقهية التي تؤكد مشروعية ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما.
ومن أشهر الفتاوى في ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التعاون مع أهل البدع حيث قال: " فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة، مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب، كان تحصيل الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس، ولهذا كان الكلام في هذه المسألة فيه تفصيل " (مجموع الفتاوى 28/212)
هل من علاقة بين القاعدة وإيران ؟
قبل الإجابة حول علاقة القاعدة بإيران ومدى صحة ذلك، أحب أن أقدم ببعض المقدمات، وهي كما يلي:
1- أن كثيراً من أنصار القاعدة الذين ينفون هذه العلاقة بقوة، إنما يأتي نفيهم بسبب ما تقرر في نفوسهم من أن ذلك محرم شرعاً، ويهدد مصداقية القاعدة وشعبيتها.
والغريب أنهم غفلوا أو تغافلوا عن صمت القيادة عن حسم هذه الاتهامات بمواقف صريحة وواضحة من موضوع العلاقة بإيران، في الوقت الذي تتعقب فيه (قيادات القاعدة) الأنظمة العربية بمناسبة وبغير مناسبة.
2- أن أنصار القاعدة في الخليج وبلاد الحرمين على الخصوص تربوا على بغض الرافضة والتحذيرمن خطرهم، فليس لديهم أي استعداد أن يتقبلوا فكرة أن تكون هناك علاقة بين محبوبهم (القاعدة)، ومبغوضهم (الرافضة)، بغض النظر عن شواهد الواقع وقرائن الحال، أو المصالح المترتبة على هذه العلاقة.
3- أن الذين لم يتعاملوا مع إيران لا يتصورون حجم الافتتان بها في ميدان التعامل بعيداً عن التصور المستقر في الذهن عن الرافضة، ولعل من نماذج ذلك ماعاشه المجاهدون في الأزمة الأفغانية الأخيرة بعد الاجتياح الأمريكي، حين انحاز بعض المجاهدين إلى باكستان (السنيّة) ثم بيعوا بدولارات معدودة للعدو الأمريكي، بينما استقبل المنحازون إلى إيران الشيعية (الرافضية) بحفاوة وتم إسكانهم الفنادق ومنحهم الجوازات - لمن فقد جوازه أو كان مطلوباً باسمه في الجواز السابق-، وكانت عبارات الثناء على أداء المجاهدين، والسب والشتم لأمريكا وأعوانها تتردد على مسامع المجاهدين هناك.
4- أن علاقة الجماعات الجهادية المصرية بالنظام الإيراني قديمه منذ اغتيال السادات عام 1981م حيث أثنت إيران على هذا الإنجاز وأسمت شارعاً كبيراً في طهران باسم (خالد الاسلامبولي) قاتل السادات، وأصبحت إيران ملاذاً آمناً للمطاردين من الجماعات الجهادية المصرية، وتواصلت علاقات تلك الجماعات مع (حزب الله) في لبنان، فتدرب عدد من الكوادر الجهادية المصرية في معسكرات حزب الله في لبنان.
5- أن العلاقة بإيران ليست فقط من قبل القاعدة أو الجماعات الجهادية المصرية بل إن علاقة حماس والجهاد الفلسطيني بها ليست تخفى على أحد، بل هي معلنة، ولهم تبريراتهم لهذه العلاقة.
6- أن المتغيرات السياسية والأحداث الواقعية قد تجعل العلاقة بين القاعدة وإيران أكثر من مجرد مصالح متبادلة، أو التقاء مؤقت لمواجهة عدو مشترك، فلو تم ضرب إيران من قبل أمريكا أو إسرائيل فسيكون الانقلاب في الشارع الإسلامي وفي بعض التيار الجهادي مذهلاً.
وبعد هذه المقدمات، أحب أن أختم المقال بهذه التوصيات:
1- على المخالفين للقاعدة من الإسلاميين والجهاديين أن لا يفرحوا بهذه المعلومة للطعن في إخوانهم واتهامهم، والمبالغة في تحميل هذه العلاقة أكثر مما تحتمل، وإذا كان ثمة ملاحظة أو تحفظ على هذه العلاقة فلينصحوا إخوانهم بالأسلوب المناسب ولا يعينوا عليهم الأعداء.
2- على إخواننا في (قيادة القاعدة) أن لا يكتفوا بالصمت تجاه هذه العلاقة، فالمسألة مثارة بشكل كبير، والأعداء يستغلونها في إثارة الشكوك حول مصداقية القاعدة، فماذا عليهم لو اعترفوا بها وبرروها بما لديهم من المبررات الشرعية التي جعلتهم يرتبون هذه العلاقة، وحتى لو لم يقبل المخالف هذه المبررات فإنها تبقى ميداناً للاجتهاد، فـ(الصمت) يزيد المشكلة ويوسع دائرة تأثيرها السلبي، و(النفي) كذلك يسبب مشكلة أخرى إذ لايلبث أن يثبت خلافه، فتنهار مصداقية هذه القيادات لدى أتباعهم وأنصارهم قبل المخالفين لهم.
وعلاقة حماس بإيران يتفهمها كثير من الإسلاميين مع مخالفتهم لها في ذلك، ولا يشككون في عقيدتهم أو ولائهم بناء على وجود تلك العلاقة.
3- على إخواننا من أنصار القاعدة والمتحمسين لها أن لا ينشغلوا بنفي هذا الخبر، أو أن يكيلوا الاتهامات لكل من تناول هذا الموضوع، فماذا لو استطاع المخالف إثبات هذه العلاقة ؟ وماذا لو أن القيادة اعترفت بذلك لاحقاً؟ كيف سيكون موقفهم من مئات بل آلاف المقالات التي تنفي هذه المعلومة وتشكك في كل من ذكرها، وتعتبر العلاقة انحرافاً عن المنهج، وضلالاً تنزه عنه القاعدة.
وليعطوا لأنفسهم خطاً للرجوع في حال ثبوت هذه العلاقة، مثل أن يقولوا: أنه في حال ثبوت هذه العلاقة فإن الأمر من السياسة الشرعية المنوطة بأمير الجماعة أو قائد الجيش ونحو ذلك.
وإن العلاقة بإيران لا تعني بالضرورة الموالاة لها أو العمالة أو غير ذلك مما يخطر في الذهن حين ذكر هذه العلاقة.
وبناء على ما تقدم فإني أقدم النصائح التالية لإخواننا في القاعدة:
نحن نعلم أن الرافضة لا يطمعون في نقل (القاعدة) إلى التشيع وترك السنة، ولكننا نعلم أيضاً أن هذه العلاقة وما يترتب عليها من خدمات وتسهيلات ومعونات ليست نصرة مجردة، بل لها مقاصد وأهداف من ورائها، ومن ذلك ما يمكن تسميته بـ(التشيع السياسي) بموافقة الرافضة في توجهاتهم السياسية ودعم مواقفهم.
ويبدو أن شيئاً من ذلك قد وقع فعلاً، كما يتضح ذلك من بيانات (الظواهري) حول أحداث لبنان، حيث يظهر منه بوضوح تأييد حزب الله في حربه ضد إسرائيل، ودعوة اللبنانيين للوقوف معه، ومواجهة الدعوة لنزع سلاح الحزب.
أن الاستدلال على مشروعية (العلاقة مع إيران) لا يكتفى فيه بالاستدلال بمسألة جواز الاستعانة بالمبتدع أو الكافر ضد من هو شر منه، لأنه يشترط في ذلك أن لا تكون الاستعانة بذلك المبتدع أو الكافر سبباً في تقويته بما يضر بالمسلمين.
وذلك أن إيران ليست مجرد نظام مشرك يعادي أهل السنة أو مبتدع بدعة غليظة؛ بل أن إيران تحمل مشروعاً صفوياً فارسياً، له أهدافه وطموحاته في العالم الإسلامي وفي منطقة الخليج بشكل خاص، وهو لا يقل خطراً عن المشروع الصهيوصليبي، وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى ما يجري في العراق، فإن المعتقل من أهل السنة يتباشر أهله إذا تبين أنه معتقل لدى الأمريكان، والجثث المجهولة التي تعلن يومياً شاهد على عظم شر الرافضة.
وحينما يروي لنا التاريخ أخبار خيانات الرافضة وما فعلوه بالمسلمين ومعونتهم للأعداء المحتلين للبلاد ضد أهل السنة، لا نظن أن أولئك الخونة قد أظهروا العداوة لأهل السنة، وأن أهل السنة من الغفلة لدرجة الانخداع بهم لولا ما أظهروه من النفاق وعظم المكر بحيث نفذت الحيلة وأصابت دولة الإسلام في مقتل.
ورافضة اليوم أخبث وأعظم مكراً، فلا نغتر بفهمنا وسياستنا ونجدد بذلك تاريخ ابن العلقمي.
أما التعامل وتقاطع المصالح مع المخالفين من المبتدعة والكفار فأمر له ما يسوِّغه في الشريعة، ومن أمثلة ذلك : لو أمكن إقامة علاقة مع (فنزويلا) وتلقي الدعم منها فلا حرج في ذلك وفق ضوابط شرعية محددة، إذ ليس لها أي مطامع أو مشاريع سياسية أو فكرية في المنطقة.
قد يكون لدى القيادات الكبيرة في القاعدة وعي بطبيعة العلاقة وخطورتها، وقد يتخذون احتياطاتهم لذلك، ولكن العلاقة الميدانية مع الطرف الإيراني أوسع من تلك القيادات الواعية، وبخاصة حين يكون المتعامل معهم من الصف الأول أو الثاني قليل البضاعة في العلم الشرعي، ويرى منهم تعاطفاً مع قضيته وعداءًً قوياً لأمريكا وأعداء الإسلام مما قد يورث لديه قناعات داخلية بصدقهم، وأن العلاقة بهم يجب أن تتجاوز تقاطع المصالح من طرف خاص إلى تعاون استراتيجي، وهذا ما يمكن اعتباره اختراقاً قد يتعرض له العمل الجهادي، وقد تعرضت بعض الجماعات للاختراق بنحو من هذا السبب وبمثل هذه الصورة.
قد يرى الإخوة أن هذه العلاقة على سبيل الاضطرار وليست اختيارية، وعلى هذا فإن الضرورة تقدر بقدرها، ولا يتوسع فيها أكثر من حد الضرورة.

أما عن كيفية تصور وجود علاقة بين القاعدة وإيران، مع ما يجري في العراق وبخاصة بعد تهديدات أبي عمر البغدادي الصريحة لإيران؟
فلاشك أن القاعدة في العراق تقوم بعمليات كبيرة ضد الرافضة، عامتهم وخاصتهم، لكن مشروع استهداف الرافضة في العراق ليس مشروع القاعدة!، وإنما هو مشروع (أبي مصعب الزرقاوي) -رحمه الله-، وكانت هذه المسألة هي أبرز العقبات في طريق انضمام أبي مصعب إلى القاعدة، وكان أبرز شروط أبي مصعب في الانضمام للقاعدة أن يتقبل (الشيخ أسامة بن لادن) اجتهاد أبي مصعب في هذه المسألة ولا يمنعه منها، وإليك جزء من رسالة أبي مصعب الزرقاوي للشيخ أسامة حول هذه المسألة حيث يقول بعد أن بين أولوية قتال الرافضة في العراق " هذه رؤيتنا قد شرحناها، وهذا سبيلنا قد جليناه، فإن وفقتمونا عليه واتخذتموه لكم منهاجا وطريقا واقتنعتم بفكرة قتال طوائف الردة فنحن لكم جند محضرون نعمل تحت رايتكم وونزل على أمركم، بل ونبايعكم علانية على المأ وفي وسائل الإعلام إغاظة للكفاروإقرارا لعيون أهل التوحيد ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) وإن بدا لكم غير ذلك فنحن إخوة لايفسد الخلاف للود قضية، نتعاون على الخير ونتعاضد على الجهاد، وبانتظار جوابكم حفظكم الله مفاتيح للخير وذخراً للإسلام وأهله . آمين. آمين ".
علماً أن الزرقاوي تلقى عدداً من النصائح من (الظواهري) حول قضية استهداف الرافضة وكان مما كتب إليه:
"يتساءل كثير من المحبين لكم من عوام المسلمين عن سبب مهاجمتكم للشيعة، ويزداد هذا التساؤل حدة إذا كان الهجوم علي مسجد من مساجدهم، ويزداد أكثر إذا كان الهجوم على مرقد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ورأيي أنك مهما حاولت أن توضح هذا الأمر فلن يتقبله العوام، وسيظل النفور منه قائماً، بل وستدور التساؤلات في أوساط المجاهدين وأهل الرأي فيهم عن صواب هذا الصدام مع الشيعة في هذا الوقت، وهل كان لا بد منه أم كان يمكن تأجيله حتى يقوى عود الحركة المجاهدة في العراق؟ وإذا كانت بعض العمليات ضرورية للدفاع عن النفس فهل كل العمليات كانت ضرورية؟ أم أن بعضها لا داعي له؟ وهل فتح جبهة أخرى إضافية مع جبهة الأمريكان والحكومة يعد قراراً حكيماً؟ أليس ذلك مفيداً للأمريكان ومخففاً للعبء عنهم بانشغال المجاهدين بالشيعة، ويبقي الأمريكان في مأمن .. يديرون الأمور عن بعد؟ وإذا كان الهجوم علي بعض رؤوس الشيعة ضرورياً لإيقاف مخططاتهم، فلماذا الهجوم على عوام الشيعة؟ ألا يؤدي هذا لترسيخ المعتقدات الباطلة في أذهانهم، بينما يجب علينا أن نخاطبهم بالدعوة والبيان والتبليغ لهدايتهم للحق؟ وهل سيستطيع المجاهدون قتل كل الشيعة في العراق ؟ وهل حاولت أية دولة إسلامية في التاريخ ذلك؟ ولماذا يقتل عوام الشيعة مع أنهم معذورون بالجهل؟ وما الخسارة التي كانت ستلحق بنا لو لم نهاجم الشيعة؟ وهل تناسى الإخوة أن لدينا أكثر من مئة أسير ـ كثير منهم من القيادات المطلوبة في بلادهم ـ لدى الإيرانيين؟ وحتى إذا هاجمنا الشيعة للضرورة لماذا الإعلان عن هذا الأمر وإظهاره مما يضطر الإيرانيين إلى اتخاذ مواقف مضادة؟ وهل تناسى الإخوة أن كلا منا والإيرانيين في حاجة إلى أن يكف كل منا أذاه عن الآخر في هذا الوقت الذي يستهدفنا فيه الأمريكان؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تدور بين إخوانك وهم يراقبون الصورة عن بعد كما ذكرت لكم، والمراقب عن بعد تغيب عنه كثير من التفاصيل العامة التي تؤثر على القرار الميداني"
ولكن (أبا مصعب الزرقاوي) كان ممتلئاً بقناعة مفادها أن الرافضة هم الخطر الأكبر على أهل السنة في العراق، وهم أخطر من الأمريكان، فلم تُجدِ كل هذه الرسائل في ثني أبي مصعب عن مشروعه في استهداف الرافضة، والذي ربى عليه قواعد العمل في العراق طيلة توليه زمام الأمور هناك، يجعل من المستعصي على خليفته أن يصرف التنظيم عن ذلك الاتجاه بسهولة، أو خلال وقت قصير.
ولهذا فإن موقف (القاعدة في العراق) من الرافضة وإيران لا يعبر عن موقف ( تنظيم القاعدة) من الرافضة عموماً، ومن إيران خصوصاً.
نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد
تم تحريره في 19 شعبان 1428 هـ

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.