وقفات حول مصطلح السلفية الجهادية..

بسم الله الرحمن الرحيم

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)


ظهر في الآونة الأخيرة مصطلح (السلفية الجهادية) وتلقفه بعض أبناء التيار الجهادي وفرحوا به، وأحبوا أن ينسبوا إليه، بل اعتمده عدد من الكتاب والمتحدثين باسم التيار الجهادي، فضلا عن المتحدثين عنه.
ولي على هذا المصطلح بعض الملاحظات التي أحب أن أشير إليها من خلال الوقفات التالية:

الوقفة الأولى: صنيعة الأعداء:
عند تتبع هذا المصطلح ونشأته يتضح للمتابع أن أول من أطلقه هم الأعداء! وأنه ليس من ابتكار أو إنتاج أبناء التيار الجهادي، ولا القريبين منهم.
وباعتقادي أن العدو حين طرح هذا المصطلح كان يهدف إلى تحقيق عدد من الأهداف، ومنها:
1 – عزل التيار الجهادي عن عموم المسلمين:
فلئن كان مصطلح (السلفية) ذا قبول جيد لدى طائفة من المسلمين، فإن عامة المسلمين لازالوا يتوجسون منه خيفة، حيث تسببت الكثير من الأمور في تشويهه واعتباره انحرافاً وزيغاً..ولا شك أن مصطلح (المجاهدين) أكثر قبولاً لدى عموم المسلمين من مصطلح (السلفية الجهادية) وأدعى للاجتماع.
2- تمزيق التيار الجهادي وانقسامه على نفسه:
فينقسم التيار الجهادي إلى سلفية جهادية وأخرى إخوانية وثالثة صوفية.. وتتكاثر المسميات والمصطلحات لفريق واحد من المجاهدين الذين يقفون في ثغر واحد وفي مواجهة عدو مشترك.
3 – دفع المنتمين لهذا المصطلح إلى الغرور:
إذ يصيب المنتمين إليه اغترار بالاسم، وادعاء بأنهم مستأثرون بالحق وحدهم دون سواهم من بقية المجاهدين، فضلا عن بقية المسلمين.
حيث يرى الواحد منهم أنه بات يحتل أعلى المستويات حيث الجمع بين (السلف) و (الجهاد) مما يدفعه للنظر إلى غيره نظرة استعلاء واحتقار، مهما كانت منجزاتهم، وهذا ظاهرفي بعض من ينتمي إلى السلفية الجهادية اليوم.

الوقفة الثانية: تحديد المقصود بهذا الاصطلاح:
ليس هناك تحرير دقيق لهذا المصطلح وما الذي يقصد به، بحيث يتميز المنتسبون إليه عن غيرهم بشكل واضح..
فماذا تعني السلفية الجهادية؟
هل هي سلفية الاعتقاد؟ أم سلفية السلوك؟ أم سلفية القتال؟ أم سلفية المواقف والولاءات؟ أم ذلك كله؟
وإذا أردنا تحديد هذا المصطلح والنظر في حقيقة معناه فلننزل إلى الميدان الفعلي وننظر في كيفية تطبيقه.. حينها سنجد أن هذا المصطلح يضيق عن استيعاب العديد من الفئات الذين يصعب إخراجهم منه.
وهاك أمثلة على ذلك:
- هل يدخل في السلفية الجهادية : الجهاد الأفغاني الأوّل بقياداته المختلفة وأنصاره القادمين من أنحاء العالم، وهل يمكن تمييز بعض الفصائل أو بعض المجاهدين دون بعض في تحقيق انتسابهم لذلك المصطلح؟

- حركة الطالبان وهي حركة ديوبندية (أي حنفية في الفقه ماتوريدية في الاعتقاد وعندهم نوع من التصوف في السلوك)، فهل تعتبر الطالبان التي أقامت الإمارة الإسلامية في أفغانستان من السلفية الجهادية أم ماذا؟

- الشيخ أسامة بن لادن حين نزل بثقله لدعم حكومة الإنقاذ في السودان التي يديرها البشير والترابي آنذاك هل كان ذلك دعماً للسلفية الجهادية ؟ وهيئة النصيحة والإصلاح التي أسسها الشيخ أسامة في لندن، هل تعتبر من أنشطة السلفية الجهادية – مع العلم أنه كان نشاطاً سياسياً صرفاً -؟

- القائد جوهر دوداييف الذي بدأ القتال في الشيشان ضد الروس وكان قائداً سابقاً لسرب الطيران في الجيش الروسي.. هل كان يمثل السلفية الجهادية أم لا؟

- هل يدخل في السلفية الجهادية تيار الغلو (الغلاة) الذين يكفرون رموز وعلماء الدعوة السلفية كابن باز وابن عثيمين والألباني ويستبيحون دماء إخوانهم المسلمين والمجاهدين لمجرد المخالفة في الاجتهاد؟

- هل يدخل في السلفية الجهادية من يدعو إلى حلف مع الحزب الرافضي اللبناني المسمى (حزب الله) تحت مسمى حلف المستضعفين ؟ أو من يدخل تحت حماية إيران لتقاطع المصالح مع الرافضة ضد الأمريكان؟

- هل يقتصر المصطلح على (المقاتلين) فحسب ويخرج منه كل من لم يخض المعارك؟ أم أنه يدخل فيها كل من شارك في نصرة الجهاد ومواجهة العدو بأي وسيلة من الوسائل العسكرية أوالإعلامية أو الإغاثية أوغيرها..

- من يرى التغيير عن طريق الانخراط في الانتخابات وخوض العملية السياسية، هل يمكن نسبته إلى السلفية الجهادية؟

- المجاهد الذي يتعاطى السياسة الشرعية وفق الضوابط.. هل يخرجه ذلك من مصطلح (السلفية الجهادية) وهل يمكن الاستغناء عن السياسة الشرعية في ميدان الجهاد؟

- هل ثمة ضوابط محددة يمكن بها معرفة من يصح نسبته إلى هذا المصطلح أو نفيه عنه، وهل يوجد منهج مكتوب يمكن الرجوع إليه عند الاختلاف؟

- ماعلاقة هذا المصطلح بالمصطلحات الأخرى، وأين موقعه منها، مثل : الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، أهل السنة والجماعة؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها يمكن أن تحدد مفهوم ذلك المصطلح وتوضح المراد منه قبل اعتماده والحديث باسمه..

الوقفة الثالثة: منجزات السلفية الجهادية
إلى الذين يفرحون بهذا المصطلح وينتسبون إليه بكل غبطة وسرور.. أوجه إليهم سؤالاً محدداً:
ماهي منجزات أصحاب هذا المصطلح قديماً وحديثاً؟
وهل يعتبر فتح عمورية و معركة حطين وتحرير بيت المقدس و عين جالوت و الزلاقة و بلاط الشهداء من منجزات السلفية الجهادية أم من منجزات سواها؟

وهل يعتبر محمد الفاتح (فاتح القسطنطينية) وعمر المختار والأمير عبدالقادر الجزائري وغيرهم من الرموز الجهادية الشهيرة داخلين في مصطلح (السلفية الجهادية)؟

وهل يمكن نسبة حركات مقاومة الاستعمار في البلاد الإسلامية عموماً إلى السلفية الجهادية؟

وهل تعتبر منجزات الحركات الجهادية المعاصرة في كشمير والفلبين وإرتيريا وفلسطين والشيشان وغيرها، محسوبة على (السلفية الجهادية) أم لا؟

وماهي المنجزات التي يمكن لأصحاب هذا المصطلح أن يعتبروها من أعمالهم التي قاموا بها بشكل حصري ومستقل؟

الوقفة الرابعة: مصطلح السلفية الجهادية في مرحلة الاستضعاف وقتال الدفع:
باعتقادي أن قتال الدفع في مواجهة المعتدين على الأمة مما يجب أن تحشد له كل طاقاتها ويدخل في ذلك برها وفاجرها، متبعها ومبتدعها، سلفيها وصوفيها.. ماداموا جميعا من أهل الإسلام وضمن دائرته، وممن يشجيهم ماينال الأمة من عدوها، وماداموا يرغبون في الذود عن حياض الأمة ونصرتها بالمال والنفس والولد.
وعامة الجهاد بعد الخلافة الراشدة هو من هذا القبيل.
وما زال العلماء الربانيون يقاتلون تحت راية أهل البدع ويفتون بالاجتماع معهم في مواجهة الكفار المحتلين لبلاد المسلمين..
فهل من المناسب في هذا الظرف العصيب أن يتم تكريس هذا المصطلح التفريقي؟
أنني هنا لا أطالب السلفي في معتقده وسلوكه بالتخلي عن سلفيته، بل أقول: عض عليها بالنواجذ، واستمسك بها، لكن إياك أن تعتبرها ميداناً للمفاصلة في ظل الاستضعاف الذي تعيشه الأمة، لأنك بهذا تعزل نفسك عن السواد الأعظم، وتعطي العدو الفرصة السانحة لسحقك، وتعطي لإخوانك الذريعة للتخلي عنك، وميدان الجهاد يستوجب الاجتماع وعدم التفرق، إذ التفرق سبب رئيس للفشل.

كانت تلك وقفات أربع آمل أن أكون قد أوضحت من خلالها خطورة التعاطي مع هذا المصطلح والانسياق وراء من أطلقه، أو الانخداع به، وأن نعلم ضرورة الاجتماع في مواجهة الأعداء الذين يجتمعون برغم اختلافاتهم على قتالنا واحتلال بلادنا.

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد
تم تحريره في الخامس من ذي الحجة 1428 هـ

أيها المجاهدون .. إياكم وقتال الفتنة

بسم الله الرحمن الرحيم

( أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه )

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ما يقع بين المجاهدين في العراق من الاقتتال الداخلي الذي يكاد يعصف بالأمل الذي تعلقت به قلوب المسلمين في تحقيق النصر على الأعداء المحتلين.
ونظراً لما لهذا الموضوع من خطورة على مستقبل الجهاد في العراق فإني أساهم في استنقاذ الجهاد والمحافظة على ثماره بتوجيه هذا النداء لأصحاب الشأن، ومن يعنيهم الأمر من خلال النقاط التالية:

* أيها الإخوة المجاهدون الأفاضل:
إنه مهما كانت المبررات، ومهما كان حجم الاختلاف فيما بينكم، فإن الاقتتال الداخلي يزيد من حجم المشكلة ولا يحلها، ولا يستفيد من هذا الاقتتال سوى عدوكم ، فلا تعطوه الفرصة للخروج من المأزق الذي وقع فيه، فإن التنازع فيما بينكم بات بمثابة طوق النجاة له، وها أنتم ترون أن انشغال بعضكم ببعض قلل من العلميات ضد عدوكم، وأضعف نكايتكم فيه، وجعله يتنفس الصعداء ويرفع من معنويات جنوده بما حصل من الانحسار في أدائكم.
وإنكم باقتتالكم تزهقون أرواحاً وتسفكون دماءً لم يستطع عليها العدو، فإذا هي تراق بأي الإخوة بعضهم البعض .
* أيها المجاهدون:
اتقوا الله تعالى في الدماء الزكية الطاهرة التي أريقت في هذا الجهاد المبارك فلا تجعلوا ثمرتها سدى، واتقوا الله في أمتكم التي علقت على جهادكم آمالاً عريضة، ولا تشمتوا بنا وبكم الأعداء.
* أيها المجاهدون:
استشعروا أن الأمة من قاصيها لدانيها قد بعثت إليكم بفلذات أكبادها، واقتطعت لكم من أقواتها، وتعاطفت معكم بكل مشاعرها، رغبة في تحقيق النصر على الأعداء، فكيف بكم وقد صرفتم تلك الجهود والنفوس من قتال العدو المحتل إلى الاقتتال بين المسلمين؟ كيف بكم وقد تحول سلاحكم إلى صدوركم بعد أن كان موجها لعدوكم؟
* أيها المجاهدون:
إن الخلاف بينكم سيسقط هيبتكم في نفوس أعدائكم، وسيكشف للعدو عن مكامن الخلل ونقاط الضعف، وسيستغل تلك الجوانب في إثارة المزيد من الفتن الداخلية فيما بينكم، فلا تعطوه مجالاً، ولاتفتحوا له بذلك باباً ..
* أيها المجاهدون:
هذا الاقتتال فيما بينكم ليس فيه منتصر، فكلا الطرفين خاسر، وكل قطرة دم تراق أو طلقة تذهب أو كادر يتعطل أو وقت يبذل، أو مال ينفق، أو طفل ييتم، أو امرأة ترمل فإن الخاسر الأكبر هم "المجاهدون" بشتى فصائلهم، و"الأمة" من ورائهم تدفع ثمن هذا التنازع، ولا يمكن أن ينزل النصر من حيث يأتي الفشل، قال تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فهل ينشد النصر من إذكاء هذا النزاع والاستمرار فيه؟
وتأملوا في الفتنة التي وقعت في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وانظروا مايقوله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر النصوص الواردة في النهي عن قتال الفتنة، يقول – رحمه الله-: ( ولأجل هذه النصوص لا يختلف أصحابنا أن ترك عليّ القتال كان أفضل، لأن النصوص صرحت بأن القاعد فيها أفضل من القائم، والبعد عنها خير من الوقوع فيها...) ثم قال: ( لكن بالقتال زاد البلاء وسفكت الدماء وتنافرت القلوب وخرجت عليه الخوارج .. فظهر من المفاسد ما لم يكن قبل القتال ولم يحصل به مصلحة راجحة، وهذا دليل على أن تركه كان أفضل من فعله فإن فضائل الأعمال أنما هي بنتائجها وعواقبها ) مجموع الفتاوى 4/441-442.
* أيها المجاهدون:
إنكم من خيار هذه الأمة، وقد أرخصتم دمائكم في سبيل الله وابتغاء مرضاته، ولهذا أسائلكم : أين الورع عن الدماء والأعراض؟ أين سلامة الصدور تجاه إخوانكم؟ أين حسن الظن بهم؟ أين حرمة المسلم؟ أين مذهب السلف الصالح في التعامل مع المخالف؟ ولماذا تحولت الصفوة المؤملة في الظروف الحالكة من جهاد العدو إلى قتال الإخوة؟ ومن التحري إلى الجزم، ومن الورع إلى الجرأة، ومن الإيثار إلى الأثرة، ومن حب السلامة من الآثام إلى الانغماس في فجاج الفتنة؟
* أيها المجاهدون:
إن ما يقع بينكم من الاقتتال له أسباب متعددة يجب التنبه لها والحذر مما يمكن أن تؤدي إليه، ومن تلكم الأسباب :
أ – اختراق الصف الجهادي: فالأعداء لهم مهاراتهم وتجاربهم في هذا الميدان وهم على أتم الاستعداد لدفع ثمن هذا الإنجاز مهما كان حجمه، ولاشك أن ما يقع من الاقتتال مرفوض لدى الصادقين من كلا الفئتين ولا يرضى به إلا ما كان في قلبه مرض أو طمع دنيوي، أو كان له ولاء لجهات يعمل لصالحها وينفذ مخططاتها، وللأمة تجارب مريرة فيما حصل من اختراقات في التاريخ الإسلامي تسببت في إراقة كثير من الدماء الطاهرة الزكية، وفي تعطيل حركات الفتوحات الإسلامية.
ب – اندفاع بعض الشباب المتحمسين: فبعض الشباب – هداهم الله – لديهم حماسة وانفعال غير منضبط، مع جهل بأحكام الشريعة ومقاصدها ومآلاتها، أولئك الشباب الذين لايحكمون شرع الله في أنفسهم ولا يضبطون تصرفاتهم بضوابطه، قد يكونون وبالا على أنفسهم وعلى إخوانهم المجاهدين من حيث يظنون أنهم يحسنون صنعا ، فحسن النية لا يستلزم صلاح العمل .
ج – الاستعجال: فإن الاستعجال في قطف ثمرة الجهاد وتحصيلها قبل أوانها قد يدفع إلى تصرفات خاطئة تحت هذا الضغط، وبخاصة مع الإحباط الذي يصيب النفوس نتيجة استطالة الطريق، والذي يكون سببه - أحياناً - : التفاؤل المفرط، والطموح الذي لا يتناسب مع القدرات والإمكانات والواقع، فإذا اصطدم المتفائل بالواقع الفعلي شعر حينها بالإحباط، وأن ما كان يظنه هدفاً قريباُ ويسيراً ليس كذلك على الحقيقة، فربما استعجل الخطى، وتسرع في الأمور فأورده ذلك المهالك.
د – عدم الثبت في الأخبار : إن عدم الأخذ بالمسلك الشرعي في التثبت فيما يتم تناقله من أخبار ومعلومات ووقائع، وعدم العدل فيما يصدر من أحكام بناء عليها، هو أحد أهم الأسباب الموقعة في الفتنة، والله تعالى يقول عن الناقلين للفتنة ( إذ تلقونه بألسنتكم) فمع أن التلقي يكون بالأذن أصلاً لكنهم لما أسرعوا بنقله من آذانهم إلى ألسنتهم، قال (تلقونه بألسنتكم)، كما أن الله تعالى يقول ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
د – الغلو والتعجل في التكفير : فإن المسارعة في التكفير من غير مراعاة للأوضاع القائمة والدوافع والمبررات، والظروف المصاحبة لقول القائل أو فعله، ودون مراعاة للضوابط الشرعية في التكفير وشروطه وموانعه، مؤدٍ بالضرورة إلى انتشار التكفير، ومن ثم استحلال الدماء والأموال.
وليتأمل المجاهدون كيف أنه وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أفعال من بعض الصحابة ومن سواهم، وكانت بعض تلك الأفعال من ضمن المكفرات - من حيث هي- لكن الظروف التي صاحبتها جعلت حكمها مختلفاً، ومنعت من إطلاق لفظ الكفر على فاعلها، أو منعت من إقامة الحد عليه، فلم يكن مباح الدم إذ ذاك، ولنا في قصة حاطب بن أبي بلتعة، وحادثة الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بأنهم "أرغب بطوناً وأجبن عند اللقاء" لنا في تلك الوقائع وأمثالها خير قدوة، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين مع معرفته بهم وبأسمائهم، وقد برر ذلك بقوله ( حتى لايتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) فإذا امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين لهذا الاعتبار فكيف بقتل من انتدب نفسه لجهاد المحتلين وقتال الكافرين؟
هـ - عدم اعتبار السياسة الشرعية في التعامل: فمن المهم مراعاة السياسة الشرعية فيما يقع من أخطاء أو خلافات بين المجاهدين ، فحين يغلب بعض الأطراف جانب القوة في حل ما يقع من خلافات مع الاستهانة بما يترتب على ذلك من إراقة الدماء الزكية الطاهرة من دماء المجاهدين، والغفلة عن الوعيد الشديد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) وقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يزال المرء في سعة من أمره ما لم يصب دماً حراماً) فإن الفتنة – والحال هذه – واقعة بلا شك .
و – الداء الخفي : فإن في بعض النفوس داءً دفيناً خفياً وهو الرغبة في الجاه وتحصيل المنصب، وهو الداء الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أن اعتقاد بعض النفوس أنها أولى بالقيادة أو الإمارة أو غيرهما، وتعلق القلوب بثمرات العمل العاجلة من نصيب الدنيا، وزيادة الثقة في النفس واحتقار الآخرين، كل تلك من أعراض هذا المرض الخفي.
فعلى المجاهدين أن تتعلق قلوبهم بوعد الله الصادق الذي لا يخلف (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)، وقوله تعالى ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ) وقوله صلى الله عليه وسلم :( وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة)، وقوله :( ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك).
وعلى المجاهد في سبيل الله أن لا يغتر بما قدمه في هذا السبيل من تضحيات، وأن لا يحمله ذلك على العجب بعمله، وليجعل رضا الله تعالى مقصده ووجهته، وليكن ممن قال الله فيهم (أولئك يرجون رحمة الله ).
* أيها المجاهدون:
تأملوا في الكثير من الحركات الجهادية التي قامت وثورات التحرير في العالم الإسلامي والتي بدأت من بيوت الله تعالى وعلى يد علماء أبرار أطهار رووا هذه الأرض الطيبة بدمائهم الزكية العطرة، وتفكروا ملياً : كيف استطاع الأعداء سرقة ثمار الجهاد في عدد منها، وكيف دفع المجاهدون في الكثير من بقاع الأرض ثمناً باهظاً من النفوس والأموال، ثم كانت العواقب أن قام الأعداء بقطف الثمرة بكل سهولة ويسر!
إنكم اليوم – بخلافكم واقتتالكم - تعيدون نفس التجربة، وتتسببون في ذهاب ثمرة الجهاد إلى الأعداء وبخاصة مع كثرة المتربصين، وليس لكم عذر فيما تتسببون فيه من خسارة كبيرة لهذه الأمة، فاتقوا الله في هذه الأمانة وقوموا بها حق قيام .
وأختتم حديثي بتوجيه رسائل أخرى لمن يعنيهم الأمر :

* الرسالة الأولى : للعلماء والدعاة ووجوه الناس في الأمة الإسلامية :
إن عليكم واجباً عظيماً تجاه الجهاد وأهله، إذ عليكم المبادرة بتحمل المسؤولية المناطة بكم في الإصلاح بين المجاهدين، والنصح لهم، واستنقاذ ثمرة الجهاد التي توشك أن تذهب، وأعطوا الأمر أهميته اللائقة به، ولا يمنعكم مخافة الناس – من سلطان وغيره - من أن تقوموا بالحق وتنصروه، إن عليكم أن تعلنوا موقف الرفض لما يجري من الاقتتال بين المجاهدين، وتبدوا استعدادكم للتدخل بالإصلاح وحقن دماء المجاهدين وتوفير قوتهم وسلاحهم لعدوهم المحتل وأذنابه، وعليكم التنادي إلى اجتماع كبير للعلماء على مستوى الأمة سعياً في الحل وحقنا لدماء أهل السنة .

* الرسالة الثانية : لأهل السنة في العراق.
يا أهل السنة: أنتم محضن العمل الجهادي في العراق ومادته، وأنتم حملته وحراسه، وأنتم حصنه المنيع، وإن لكم في هذه النازلة دوراً كبيراً ومؤثراً إذ قمتم به أوشكتم أن تحسموا النزاع وتقللوا من أخطاره، فعليكم المبادرة بالإصلاح وإيقاف نزيف الدماء المجاهدة .
يا أهل السنة: لاتنقسموا بين الفصائل المجاهدة فتزيدوا من وقود المعركة وتؤججوا الفتنة، بل توقفوا عن القتال مادام ذاك القتال موجها إلى إخوانكم، واعلموا بأن ذلك أسلم لكم بين يدي الله تعالى، واسعوا في إطفاء الفتنة بكل ما أوتيتم من قدرة، ووحدوا جهودكم في مواجهة المحتل وأذنابه.
يا أهل السنة: ليقم وجهائكم وكباركم بالسعي في الإصلاح بين الفصائل المتنازعة، وتشكيل مجلس مقبول من الجميع ليكون مرجعاً عند الاختلاف، ولتكن توجيهاته أمراً يلزم المصير إليه.

* الرسالة الثالثة: لقادة الجهاد في العراق:
أيها القادة : ماذا ترجون من منصب القيادة الذي تسنمتموه ؟ إنك الآن تحققون أعظم إنجاز تحلم به الأمة في عصرها الحاضر.. إنكم تحطمون أسطورة الوهم الأمريكي ( الجيش الذي لا يهزم)... إنكم تصدون الاحتلال عن جميع بلاد المسلمين وتكسرون شوكة دولة الاستكبار العالمي.. إنكم تتبوءون أعلى منزلة بإخلاصكم في جهادكم وثباتكم على مبادئكم .
فإياكم أن يتحول ذلك كله إلى طموح دنيوي ورغبة جامحة في المنصب أو السلطة، أو الحظوظ الدنيوية مهما كان حجمها؟ .
وتأملوا في النموذج القريب في بلاد الأفغان، فهاهو ماثل أمامكم، ألم تروا القادة الأفغان الذين كانوا ملء السمع والبصر، يجوبون بلاد الدنيا، وتستقبلهم القلوب قبل الأبدان، و يلهج بذكرهم والثناء عليهم والدعاء لهم الصغير قبل الكبير .. أين هم الآن؟ لقد طواهم الزمن بعجلته، وتحولوا من العزة إلى الذلة، وتجرعوا من كأس المهانة ما لم يخطر لهم على بال، وأصبحوا أنصاراً للأعداء المحتلين بعد أن كانوا قادة في محاربة المحتل وأذنابه،(من يهن الله فماله من مكرم).
أيها القادة : إن عليكم أن تجتمعوا فيما بينكم لحل المشكلات وإنهاء الخلافات و تقليل آثارها، وأن تقيموا فيما بينكم قنوات اتصال سريعة تمكنكم من التشاور والنقاش والتناصح، وتكون أسلوباً لتوضيح المواقف، وتجلية الغموض، وتفسير الأفعال والتصرفات التي تقع من أحد الفصائل تجاه فصيل آخر، مع الحرص التام على محاسبة المخطئين من فصيلكم، ومحاكمة من تجاوز منهم بحكم الشرع، وتقديم التنازلات لهذا الفصيل أو ذاك سعياً في جمع الكلمة وحقناً للدماء.

* الرسالة الرابعة: إلى أفراد المجاهدين في العراق .
إن عليكم أيها الإخوة البائعين نفوسهم لأجل الله أن تلتزموا قتال إخوانكم من المسلمين تحت أي ذريعة، ولايجوز لكم طاعة الأمير إذا كان أمره في معصية الله تعالى، ومن ذلك الأمر بقتل أحد من المسلمين بسبب خلاف أو اختلاف لايبرر قتله، وعليكم التورع عن الدماء المسلمة حتى لا تلقون الله تعالى فيحاسبكم بها.
ولست مقاتلا رجلاً يصلي * على سلطانِ آخرَ من قريشِ
له سلطانهُ وعليَّ إثمي * معاذ الله من سفهٍ وطيشِ
أأقتل مسلماً في غير شيءٍ * فليس بنافعي ما عشت عيشي
وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه - مع أنه أولى بالحق في قتاله لمعاوية رضي الله عنهما- ، فإنه قد مدح سعد بن أبي وقاص و عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لعدم مشاركتهما في الفتنة بقوله: (لله منزل نزله سعد بن مالك و عبدالله بن عمر ، والله لئن كان ذنباً إنه لصغير مغفور ، ولئن كان حسناً إنه لعظيم مشكور).
وكان مسروق إذا قيل له : أبطأت عن "علي" وعن مشاهده يقول : أرأيتم لو أنه حين صف بعضكم لبعض فنزل بينكم ملك فقال (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) ، أكان ذلك حاجزاً لكم . قالوا نعم ، قال : فو الله لقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيكم وإنها لمحكمة ما نسخها شيء ).
وعليكم أن لا تبدأوا القتال مع المسلمين، ولتقتصروا على رد الصائل عند الحاجة، مع الحرص على عدم الاستمرار في رده متى ما انصرف، وفتح المجال له للهرب وإنهاء القتال، وليكن دفعه بالأدنى قبل الأعلى، ولينتقل معه من درجة إلى أخرى عند التعذر، فإن التهديد، والأسر، والتخويف بإطلاق النار قريباً منه، والإصابة في غير مقتل، كلها درجات في الرد، لايصح الانتقال إلى أعلاها إلا اضطراراً ، كما أنه يجب أن لايجهز على جريح، ولايلحق مدبر.

* الرسالة الخامسة: للمشاركين في تصعيد الفتنة:
إلى كل من يشارك في تصعيد الفتنة وتأجيجها من كتاب وداعمين ومنظرين ومعتذرين ممن يريدون الخير والصلاح للأمة.. أقول لكم : اتقوا الله في كل كلمة تقولونها أو خطوة أو عمل تصنعونه مما قد يتسبب في إراقة الدماء المعصومة، واعلموا أنكم بفعلكم ذلك لستم مشتركين في قتل الأنفس المسلمة فحسب، بل إنكم لتشاركون في إسقاط الجهاد وإضعاف المجاهدين وتفريق شملهم وإعانة عدوهم من حيث تشعرون أو لا تشعرون. فاتقوا الله وقولوا قولاً سديداً .

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد

تم تحريره في 20 ذو القعدة 1428 هـ

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.