وقفات حول مصطلح السلفية الجهادية..

بسم الله الرحمن الرحيم

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)


ظهر في الآونة الأخيرة مصطلح (السلفية الجهادية) وتلقفه بعض أبناء التيار الجهادي وفرحوا به، وأحبوا أن ينسبوا إليه، بل اعتمده عدد من الكتاب والمتحدثين باسم التيار الجهادي، فضلا عن المتحدثين عنه.
ولي على هذا المصطلح بعض الملاحظات التي أحب أن أشير إليها من خلال الوقفات التالية:

الوقفة الأولى: صنيعة الأعداء:
عند تتبع هذا المصطلح ونشأته يتضح للمتابع أن أول من أطلقه هم الأعداء! وأنه ليس من ابتكار أو إنتاج أبناء التيار الجهادي، ولا القريبين منهم.
وباعتقادي أن العدو حين طرح هذا المصطلح كان يهدف إلى تحقيق عدد من الأهداف، ومنها:
1 – عزل التيار الجهادي عن عموم المسلمين:
فلئن كان مصطلح (السلفية) ذا قبول جيد لدى طائفة من المسلمين، فإن عامة المسلمين لازالوا يتوجسون منه خيفة، حيث تسببت الكثير من الأمور في تشويهه واعتباره انحرافاً وزيغاً..ولا شك أن مصطلح (المجاهدين) أكثر قبولاً لدى عموم المسلمين من مصطلح (السلفية الجهادية) وأدعى للاجتماع.
2- تمزيق التيار الجهادي وانقسامه على نفسه:
فينقسم التيار الجهادي إلى سلفية جهادية وأخرى إخوانية وثالثة صوفية.. وتتكاثر المسميات والمصطلحات لفريق واحد من المجاهدين الذين يقفون في ثغر واحد وفي مواجهة عدو مشترك.
3 – دفع المنتمين لهذا المصطلح إلى الغرور:
إذ يصيب المنتمين إليه اغترار بالاسم، وادعاء بأنهم مستأثرون بالحق وحدهم دون سواهم من بقية المجاهدين، فضلا عن بقية المسلمين.
حيث يرى الواحد منهم أنه بات يحتل أعلى المستويات حيث الجمع بين (السلف) و (الجهاد) مما يدفعه للنظر إلى غيره نظرة استعلاء واحتقار، مهما كانت منجزاتهم، وهذا ظاهرفي بعض من ينتمي إلى السلفية الجهادية اليوم.

الوقفة الثانية: تحديد المقصود بهذا الاصطلاح:
ليس هناك تحرير دقيق لهذا المصطلح وما الذي يقصد به، بحيث يتميز المنتسبون إليه عن غيرهم بشكل واضح..
فماذا تعني السلفية الجهادية؟
هل هي سلفية الاعتقاد؟ أم سلفية السلوك؟ أم سلفية القتال؟ أم سلفية المواقف والولاءات؟ أم ذلك كله؟
وإذا أردنا تحديد هذا المصطلح والنظر في حقيقة معناه فلننزل إلى الميدان الفعلي وننظر في كيفية تطبيقه.. حينها سنجد أن هذا المصطلح يضيق عن استيعاب العديد من الفئات الذين يصعب إخراجهم منه.
وهاك أمثلة على ذلك:
- هل يدخل في السلفية الجهادية : الجهاد الأفغاني الأوّل بقياداته المختلفة وأنصاره القادمين من أنحاء العالم، وهل يمكن تمييز بعض الفصائل أو بعض المجاهدين دون بعض في تحقيق انتسابهم لذلك المصطلح؟

- حركة الطالبان وهي حركة ديوبندية (أي حنفية في الفقه ماتوريدية في الاعتقاد وعندهم نوع من التصوف في السلوك)، فهل تعتبر الطالبان التي أقامت الإمارة الإسلامية في أفغانستان من السلفية الجهادية أم ماذا؟

- الشيخ أسامة بن لادن حين نزل بثقله لدعم حكومة الإنقاذ في السودان التي يديرها البشير والترابي آنذاك هل كان ذلك دعماً للسلفية الجهادية ؟ وهيئة النصيحة والإصلاح التي أسسها الشيخ أسامة في لندن، هل تعتبر من أنشطة السلفية الجهادية – مع العلم أنه كان نشاطاً سياسياً صرفاً -؟

- القائد جوهر دوداييف الذي بدأ القتال في الشيشان ضد الروس وكان قائداً سابقاً لسرب الطيران في الجيش الروسي.. هل كان يمثل السلفية الجهادية أم لا؟

- هل يدخل في السلفية الجهادية تيار الغلو (الغلاة) الذين يكفرون رموز وعلماء الدعوة السلفية كابن باز وابن عثيمين والألباني ويستبيحون دماء إخوانهم المسلمين والمجاهدين لمجرد المخالفة في الاجتهاد؟

- هل يدخل في السلفية الجهادية من يدعو إلى حلف مع الحزب الرافضي اللبناني المسمى (حزب الله) تحت مسمى حلف المستضعفين ؟ أو من يدخل تحت حماية إيران لتقاطع المصالح مع الرافضة ضد الأمريكان؟

- هل يقتصر المصطلح على (المقاتلين) فحسب ويخرج منه كل من لم يخض المعارك؟ أم أنه يدخل فيها كل من شارك في نصرة الجهاد ومواجهة العدو بأي وسيلة من الوسائل العسكرية أوالإعلامية أو الإغاثية أوغيرها..

- من يرى التغيير عن طريق الانخراط في الانتخابات وخوض العملية السياسية، هل يمكن نسبته إلى السلفية الجهادية؟

- المجاهد الذي يتعاطى السياسة الشرعية وفق الضوابط.. هل يخرجه ذلك من مصطلح (السلفية الجهادية) وهل يمكن الاستغناء عن السياسة الشرعية في ميدان الجهاد؟

- هل ثمة ضوابط محددة يمكن بها معرفة من يصح نسبته إلى هذا المصطلح أو نفيه عنه، وهل يوجد منهج مكتوب يمكن الرجوع إليه عند الاختلاف؟

- ماعلاقة هذا المصطلح بالمصطلحات الأخرى، وأين موقعه منها، مثل : الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، أهل السنة والجماعة؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها يمكن أن تحدد مفهوم ذلك المصطلح وتوضح المراد منه قبل اعتماده والحديث باسمه..

الوقفة الثالثة: منجزات السلفية الجهادية
إلى الذين يفرحون بهذا المصطلح وينتسبون إليه بكل غبطة وسرور.. أوجه إليهم سؤالاً محدداً:
ماهي منجزات أصحاب هذا المصطلح قديماً وحديثاً؟
وهل يعتبر فتح عمورية و معركة حطين وتحرير بيت المقدس و عين جالوت و الزلاقة و بلاط الشهداء من منجزات السلفية الجهادية أم من منجزات سواها؟

وهل يعتبر محمد الفاتح (فاتح القسطنطينية) وعمر المختار والأمير عبدالقادر الجزائري وغيرهم من الرموز الجهادية الشهيرة داخلين في مصطلح (السلفية الجهادية)؟

وهل يمكن نسبة حركات مقاومة الاستعمار في البلاد الإسلامية عموماً إلى السلفية الجهادية؟

وهل تعتبر منجزات الحركات الجهادية المعاصرة في كشمير والفلبين وإرتيريا وفلسطين والشيشان وغيرها، محسوبة على (السلفية الجهادية) أم لا؟

وماهي المنجزات التي يمكن لأصحاب هذا المصطلح أن يعتبروها من أعمالهم التي قاموا بها بشكل حصري ومستقل؟

الوقفة الرابعة: مصطلح السلفية الجهادية في مرحلة الاستضعاف وقتال الدفع:
باعتقادي أن قتال الدفع في مواجهة المعتدين على الأمة مما يجب أن تحشد له كل طاقاتها ويدخل في ذلك برها وفاجرها، متبعها ومبتدعها، سلفيها وصوفيها.. ماداموا جميعا من أهل الإسلام وضمن دائرته، وممن يشجيهم ماينال الأمة من عدوها، وماداموا يرغبون في الذود عن حياض الأمة ونصرتها بالمال والنفس والولد.
وعامة الجهاد بعد الخلافة الراشدة هو من هذا القبيل.
وما زال العلماء الربانيون يقاتلون تحت راية أهل البدع ويفتون بالاجتماع معهم في مواجهة الكفار المحتلين لبلاد المسلمين..
فهل من المناسب في هذا الظرف العصيب أن يتم تكريس هذا المصطلح التفريقي؟
أنني هنا لا أطالب السلفي في معتقده وسلوكه بالتخلي عن سلفيته، بل أقول: عض عليها بالنواجذ، واستمسك بها، لكن إياك أن تعتبرها ميداناً للمفاصلة في ظل الاستضعاف الذي تعيشه الأمة، لأنك بهذا تعزل نفسك عن السواد الأعظم، وتعطي العدو الفرصة السانحة لسحقك، وتعطي لإخوانك الذريعة للتخلي عنك، وميدان الجهاد يستوجب الاجتماع وعدم التفرق، إذ التفرق سبب رئيس للفشل.

كانت تلك وقفات أربع آمل أن أكون قد أوضحت من خلالها خطورة التعاطي مع هذا المصطلح والانسياق وراء من أطلقه، أو الانخداع به، وأن نعلم ضرورة الاجتماع في مواجهة الأعداء الذين يجتمعون برغم اختلافاتهم على قتالنا واحتلال بلادنا.

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد
تم تحريره في الخامس من ذي الحجة 1428 هـ

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.