وقفات حول أحداث غزة


(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)


كانت الحرب الغاشمة التي شنتها إسرائيل على إخواننا في قطاع غزة حرباً شرسة دموية، حاولت فيها إسرائيل أن تدك المقاومة الفلسطينية هناك، وأن تضعف من وجودها، بل وتزيلها من الخارطة السياسية والعسكرية.
لكن الله عز وجل رد كيدهم في نحورهم لم ينالوا خيراً، وانقلب السحر على الساحر، وأنفق العدو الإسرائيلي الملايين، ورمى بأطنان الذخائر، وهدم البيوت والمساجد والمستشفيات والمدارس، وقتل ما يزيد عن ألف وثلاثمائة مدني غالبهم من النساء والأطفال والشيوخ، لكنه لم يتمكن من القضاء على المقاومة، ولم يحقق أهدافه، ولم يتمكن من التأثير على نفوس الفلسطينيين بل زادهم إصراراً على سلوك درب المقاومة المسلحة، وجعلهم يشعرون بالاعتزاز لوجودها، والانتساب إليها، وكان من المهم الوقوف مع هذه الأحداث العظيمة التي وإن لم تتجاوز مدتها ثلاثة وعشرين يوماً، إلا أنها أحدثت من الآثار ما لم تحدثه سنوات طوال ماضية.
ولعلي أجمل الوقفات مع الأحداث فيما يلي :
1 – أن ما تحقق خلال هذا الحدث هو انتصار حقيقي برغم الخسائر المادية وعدد القتلى:
ويمكن فهم ذلك من وجوه عديدة ومنها :
o ثبات المقاومة على مبادئها وعدم تراجعها عنها.
o صمود المقاومة في وجه العدوان وتكبيد العدو خسائر لم يستطع معها الاستمرار في عدوانه، كما عجز عن اقتحام غزة برغم كثرة عدده وعتاده.
o عدم تحقق الأهداف التي أعلنها العدو في بداية العملية العسكرية.
o قلة الخسائر البشرية في صفوف كوادر المقاومة، وكانت جل الإصابات التي اقترفها العدو في صفوف الأبرياء العزل.
2 - كشفت الأحداث عن حقيقة "العملاء" و"الخونة" ، فكثيرون كانوا يزايدون على القضية الفلسطينية، ويزعمون نصرتها، فتبين مع هذه الأحداث وقوف عدد من هؤلاء الخونة في صف العدو، إذ كان بعضهم يحثه على البدء بالعملية ويطالبه بتسريعها، وبعضهم أبدى موافقته عليها وغض الطرف عنها، ومنهم من استغل الأحداث، وجعل منها فرصة للنيل من المقاومة وإلقاء التهم عليها، وتحميلها المسئولية، مع سكوت مطبق عن تجاوزات العدو وجرائمه.
3 – أبانت الأحداث حجم التجاوزات التي يرتكبها العدو وانتهاكاته الفاضحة لكل القوانين والأعراف الدولية، حيث استخدم الأسلحة المحرمة، واستهدف المدارس والمساجد والبيوت، وأوقع القتل المتعمد على الأطفال والنساء والمدنيين، مما كشف انحطاط العدو في الجانب الإنساني أمام العالم أجمع – بما في ذلك الكثيرين ممن يدافعون عنه من الإنجيليين الصهاينة وأذنابهم من منافقي هذه الأمة-.
كما أن الحدث أبان عن أهمية الإعلام وتأثيره القوي على قضايا الأمة، ودوره في الضغط على القرار العسكري والسياسي.
4 – كشفت الأحداث الغطاء عن الموقف الأمريكي المخزي تجاه العدوان على غزة، حيث وقفت الولايات المتحدة بشكل صريح ومخزي مع العدوان، فدعمته بكل ما تستطيع سياسياً وعسكريا وإعلامياً، مما أظهر بجلاء معنى المفاهيم الأمريكية لـ(حقوق الإنسان) و(المعاهدات الدولية) و(الشرعية الدولية)وغيرها من الشعارات الزائفة التي ترفعها أمريكا لتضلل بها الأمم والشعوب، وتستخدمها – فقط- كوسيلة ضغط على الجهات التي لاتسير في ركابها.
5 – أوضحت الأحداث حجم تعاطف الشعوب العربية والإسلامية مع إخوانهم في فلسطين، فقد كان التعاطف والتأثر مع الحدث قوياً وفعالا، ولم يسبق له مثيل في حجمه وقوته.
6 – أظهرت الأحداث وعي الشعوب، فقد باتت الشعوب مدركة لمواقف كثير من الحكام العرب و صمتهم المطبق تجاه ما يحدث من انتهاكات صارخة وعدوان ظالم على شعب مستضعف.
7 – أبانت الأحداث ضعفاً جلياً في أداء العلماء وبطئاً في تفاعلهم مع قضايا الأمة، وهو ما لا يتناسب مع أهميتهم في الأمة وعظيم المسئولية التي تحملوها، وهذا لا ينسينا بعض المنجزات والأدوار الإيجابية التي قام بها بعض أهل العلم في هذه النازلة، ومنها:
· البيانات الصريحة التي تضع النقاط على الحروف وتكشف حقيقة الأمور في أحداث غزة مما لم يسبق له مثيل فيما مضى، وهو أمر تحتاجه الأمة المغيبة عن الحقيقة كثيراً .
· "اتحاد العلماء" ودورهم في مناصحة الحكام وزيارتهم لبيان مسئوليتهم تجاه الأحداث مما لم يتعود عليه العلماء والحكام فيما مضى، وهي بداية جيدة لوضع الأمور في نصابها والتأكيد على أن ولاة الأمر في الإسلام هم (العلماء والحكام) وأنهم – جميعاً - الذين يجب أن يرد إليهم الأمر في قوله تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).
8 – كانت هذه الأحداث "المرة الأولى" في تاريخ القضية الفلسطينية والتي يدخل فيها الإيمان ممثلا للفلسطينيين في مواجهة اليهود بحيث يتمحض الصراع العقدي بين الإيمان والكفر وتظهر فيه الراية واضحة جلية وتدوي صيحات التكبير مجلجلة على أرض المعركة، بعد أن كانت الرايات الوطنية والقومية هي السائدة فيما مضى.

وصايا للمجاهدين في أرض الرباط
إلى إخواننا الصامدين المرابطين في فلسطين.. لقد أثلجتم صدور المؤمنين بثباتكم وصمودكم في وجه العدوان الظالم الصهيوصليبي، وأثبتم للعالم أن سلاح الإيمان أقوى من كل سلاح وأن أهل الإيمان مهما قل عددهم وعتادهم ومهما تحالف عليهم من في أقطار الأرض فإنه لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، لأنهم اعتصموا بالله ولم يلتفتوا إلى سواه.
وقد أحرجتم بصمودكم كافة الجيوش العربية التي كانت ولازالت تتذرع بعجزها أمام قوة اليهود وإمكانياتهم الضخمة، و حققتم المعجزة في نظر تلك الجيوش، وهزمتم الجيش الذي لايقهر بإمكانياتكم المتواضعة، وكشفتم حقيقة القوة المزعومة لليهود ومدى جبن الجندي اليهودي الذي أخبر الله عنه.
لكنكم - مع هذه المنجزات الكبيرة- بحاجة إلى من ينصح لكم ويشارككم جهادكم وانتصاركم فأقول:
* عليكم الحذر من المخاطر التي تصيب "المنتصر" من العجب والافتتان بنشوة النصر ونسبة الفضل للنفس أو لدقة التخطيط وطبيعة القدرات، فما النصر إلا (من عند الله)، ولكم في رسول الله أسوة حسنة، فقد دخل صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح مطأطئ الرأس يكاد يضرب المغفر في رحله من تواضعه لله ونسبة الفضل إليه .
* أتت هذه الأحداث لتكون فرصة سانحة لترتيب المقاومة وتوحيد الصف والتنسيق بين الفصائل وتجاوز الخلافات والمصالح الحزبية لتحقيق المصلحة العليا للمسلمين ومقدساتهم .
* لابد من استشعار خطورة الابتلاء بالسراء، وأنه لا يقل خطراً عن الابتلاء بالضراء، وفي ذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله : ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر !!
* لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين، وقد كشف الله لكم الأعداء في هذه الأحداث فاحذروا من معاودة الثقة فيهم وإحسان الظن بهم .
جزى الله الشدائد كل خير * عرفت بها صديقي من عدوي
* كشف الله بهذه الأحداث المخذلين من هذه الأمة، الذين شابهوا إخوانهم القائلين – كما ذكر الله عنهم – ( يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا )، فقد استمات الكثير من مرجئة العصر في منع القنوت للمسلمين المستضعفين في غزة، فلما لم يستطيعوا ذلك أصبح بعضهم يقنت ضد المسلمين ، وكان بعضهم يقول في دعائه ( اللهم عليك بمن تسبب فيما يقع للمسلمين في غزة)!، فهكذا كانت الصورة لديهم، اليهود قوم طيبون مسالمون، ولكن هناك من "الفلسطينيين" أو من "الإخوان المسلمين" من يستفزهم ويحرضهم على قصف غزة.
وطالما أظهروا للناس أن اليهود أقوياء وأنه لا قبل لأحد بهم، وأن من يقاومهم إنما يجر الويلات على المسلمين ، ولقد عاقبهم الله بأن مسخ عقيدة الولاء والبراء في قلوبهم حتى وقفوا مع اليهود في خندق واحد، ومعهم شرذمة من العلمانيين المتواطئين معهم ضد المجاهدين الصادقين، وصدق فيهم قول الله تعالى ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )، ولقد كانوا يشيدون بالحكام ويتولونهم، في الوقت الذي يعلنون في الحرب بلا هوادة على الدعاة والمجاهدين والمصلحين في الأمة، في تناقض لا يقع فيه إلا من طمس الله بصيرته، وألقاه في مهاوي الردى، فكان من بركات هذه الأحداث أن كشفت عن المنافقين من الفئتين (العلمانية الغربية) و (المرجئة البدعية ).
* تعاطفت الشعوب الإسلامية معكم أيها المجاهدون في غزة كما لم تتفاعل وتتعاطف مع أي حدث سبقه، وعليكم أن تعرفوا لهذه الشعوب قدرها، وخصوصاً من قبل أهل السنة الذين وقفوا معكم بكل ما يملكونه من دعم مادي ومعنوي.
وإنه لمن الغبن والظلم أن يتجه الساسة الممثلون للمجاهدين لإهداء منجزات النصر للرافضة الصفويين مهما كانت المبررات، ناسين أو متناسين أن الأمة لم تقف مع حزب الله الرافضي في لبنان هذه الوقفة للاختلاف العقائدي وفقدان الثقة بالمشروع الصفوي في مواجهة إسرائيل.

كانت تلك جملة من الوقفات التي أردت فيها تجلية جملة من الحقائق والدروس والوصايا، لعلها أن تحقق المراد منها، وأن يبارك الله في كل جهد مخلص لهذه الأمة.
نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد

تم تحريره في 1 / 2/ 1430 هـ

والحمد لله رب العالمين ،،،

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.