وقفات متأنية .. مع أحداث نهر البارد




بسم الله الرحمن الرحيم

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)

ابتداء من 20 مايو 2007م انشغل العالم كله والوسائل الإعلامية المختلفة ولبضعة أشهر بالأحداث في لبنان حين تفجرت الأوضاع في مخيم نهر البارد بين تنظيم فتح الإسلام والجيش اللبناني، ثم انتهت الأحداث بمقتل وأسر مايزيد على أربعمائة من فتح الإسلام، فضلاً عن مقتل العشرات من المدنيين الذين لاصلة لهم بأطراف النزاع، إضافة إلى تدمير كامل لمخيم نهر البارد، وتشريد أكثر من ثلاثين ألفاً من سكان المخيم الذي كانوا يعيشون تحت خط الفقر قبل مغادرته.
وأخذ الناس يخوضون – بعلم وبغير علم – في تحليل هذه الأحداث والتعليق عليها، وكثرت الآراء وتباينت المواقف، وتطلعت النفوس الصادقة لمعرفة الحقيقة في خضم هذا الكم الهائل من المقالات التي كتبت عن هذا الحدث، ومن هنا أحببت المشاركة لتجلية الصورة وإظهار الحقيقة من خلال التعريف بحركة فتح الإسلام، وأبرز أهدافها، والموقف الشرعي من الأحداث التي وقعت؟ وهل كان تصرف التنظيم صحيحاً أم خاطئاً...
وإن الباعث لهذا المقال عدة أمور :
- الخلط الحاصل في الكتابة حول هذه الأحداث وتحليلها وتباين الطرح وغلبة الخطأ وسوء الظن فيما كتب.
- التضليل الإعلامي الحاصل نتيجة لعلو الصوت الإعلامي لأحد الأطراف وغلبته على صوت الحق والحقيقة، حيث يملك الجيش اللبناني ومن وراءه إمكانات ضخمة لا يملك عشرها تنظيم فتح الإسلام.
- انسياق بعض العلماء والدعاة خلف الدعاية الإعلامية وتأثرهم بالتضليل الإعلامي في تعليقهم على الأحداث، وسوء ظنهم بالمشاركين فيها.
- الخسارة الفادحة التي مني بها أولئك الشباب الذين يحملون أرواحهم على أكفهم كلما سمعوا هيعة أو فزعة طاروا إليها يبتغون القتل مظانه، فقد صحت نياتهم – أحسبهم كذلك – غير أن صحة النوايا لاتستلزم بالضرورة صحة العمل .
- المحبة الكبيرة لتلك النفوس المجاهدة المتجردة لله، والتي تبتغي نصرة دين الله تعالى، والألم لما أصابها والخوف من تكرار هذه التجربة الأليمة التي تجرع أهل السنة مرارتها ، والخروج بدروس وعبر من هذه المحنة التي دفعنا ثمنها من دماء أبنائنا الطاهرة، ومن دموع وأحزان أهالينا ومعاناة نسائنا وأطفالنا..

* نشأة تنظيم فتح الإسلام:



يعتبر تنظيم (فتح الإسلام) تنظيماً منشقاَ عن (فتح الانتفاضة) والتي بدورها سبق أن انشقت عن (حركة فتح) الأم بقيادة ياسر عرفات.
فقد استطاع النظام السوري حين اختلف مع ياسر عرفات أن يشق المنظمة ويسحب عدداً من قياداتها الثورية لتشكل تنظيم جديد تحت مسمى: فتح الانتفاضة، واحتضن النظام السوري فتح الانتفاضة التي يغلب عليها الاتجاه اليساري وفتح لها مكاتب وقدم لها الدعم المادي والمعنوي.

* من هو شاكر العبسي ؟
يعتبر العقيد طيار/ شاكر العبسي أحد قيادات (فتح الانتفاضة) الفلسطينية.
وقد ولد شاكر الذي يحمل لقب "أبو حسين" في مخيم عين السلطان القريب من أريحا عام 1955، حيث لجأ والده وأقاربه للمخيم من بلدة الدوايمة في محافظة الخليل، حالهم كحال عشرات الآلاف ممن شردتهم النكبة عام 1948 من قراهم ومدنهم ليتحولوا لاجئين في وطنهم وخارجه فيما بعد.
ثم انتقل العبسي مع عائلته إلى مخيم الوحدات في العاصمة عمان بعد ذلك ليتابع دراسته إلى أن أنهى الثانوية العامة عام 1973، حيث قرر المغادرة لليبيا ليلتحق بصفوف الثورة الفلسطينية، وحصل على شهادة الطيران بعد ذلك، وبقي ضمن معسكرات حركة فتح في ليبيا حتى العام 1983عندما انضم للمنشقين عن فتح، والتحق بحركة "فتح الانتفاضة"، ثم انتقل مع غالبية التنظيم الذي كان موجودا في ليبيا إلى سوريا التي بقي فيها حتى العام 2006.
يقول ممثل حركة فتح الانتفاضة في الأردن "إبراهيم عجوة": (إن ملامح تغيير بدأت بالظهور على العبسي بالتحول نحو التدين في عقد التسعينيات، لكنه تحول طبيعي لم يكن يظهر أن الرجل يتحول خلاله لمنهج إسلامي أيديولوجي).
ويضيف عجوة: (إن ملامح الفكر الإسلامي الأيديولوجي ظهرت على العبسي نهاية عقد التسعينيات وبدايات القرن الجديد).
أما الملف الأمني لشاكر العبسي فقد بدأ بالظهور في العام 2002 عندما اعتقل في سوريا على خلفية أمنية وقضت محكمة ميدانية بسجنه ثلاث سنوات، وفي نفس العام كان العبسي يواجه تهما في الأردن بالضلوع في مخطط لاغتيال الدبلوماسي الأميركي لورانس فولي الذي اغتيل عام 2002.
الأهمية في التهمة الأردنية للعبسي هي الربط بينه وبين أبو مصعب الزرقاوي الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق، إذ اتهم العبسي وفقا للائحة الاتهام تلك بأنه على علاقة مباشرة مع الزرقاوي ومطلوبين من تنظيم جند الشام المرتبط بالقاعدة، وحكم عليه بالإعدام غيابيا.
خرج العبسي من السجن السوري عام 2005 لينتقل إلى معسكر "حلوة" على الحدود مع البقاع اللبناني بالقرب من منطقة راشيا.
وتقول مصادر فلسطينية: إن خلافات عميقة ظهرت بين العبسي وقيادة فتح الانتفاضة، مما أدى بالرجل للانتقال إلى مخيم البداوي، حيث قاد انشقاقا ضد الحركة استولى خلاله على كافة قواعدها ومقارها في مخيمي البداوي ونهر البارد شمالي لبنان وبرج البراجنة قرب الضاحية الجنوبية لبيروت. (الجزيرة نت).

* الأهداف المعلنة لفتح الإسلام:
هناك مجموعة من الأهداف المعلنة لفتح الإسلام من خلال تصريحات المسئولين عنها في عدة مناسبات، أهمها:
· مواجهة القرار 1559 القاضي بنزع سلاح المليشيات الفلسطينية.
· الإصلاح الإسلامي لمجتمع المخيمات الفلسطينية في لبنان كي تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
· تصحيح المقاومة الفلسطينية بحيث تكون تحت رايات جهادية واضحة المنطلقات لمواجهة إسرائيل.
· طرد الأمريكيين خارج الوطن العربي وإنهاء مصالحهم فيه.
· نصرة أهل السنة ضد الشيعة و تشكيل شوكة لأهل السنة في حال حدوث قتال طائفي في لبنان، ولما حصل لغط حول هذا الهدف أعلنت (فتح الإسلام) أنها لا تعتزم مواجهة حزب الله أو توجيه ضربات أمنية ضده، لكن التنظيم ينتقد الحزب لأنه يحتكر المقاومة ضد اليهود ويستأثر بمنطقة الحدود الجنوبية اللبنانية مع فلسطين.
ومن الأهداف غير المعلنة:
· تكوين مراكز تدريب للشباب الذين يرغبون الذهاب إلى العراق أو العمل لنصرة الدين في أي مكان.
· ضرب القوات الدولية في لبنان (اليونيفيل) وبخاصة في حالة حدوث فوضى في لبنان مما يهيئ للدخول إلى فلسطين.
كما أثير حول أهدافهم دعاوى هم منها براء وليس عليها دليل، مثل :
· أنهم يهدفون إلى إقامة خلافة إسلامية في الشمال اللبناني.
· أنهم يهدفون إلى قتال الجيش اللبناني الذي هو بين كافر ومرتد.

* أبرز التفسيرات لكيفية ظهور تنظيم (فتح الإسلام):
عند التأمل في نشأة هذا التنظيم والظروف التي مر بها وطبيعة العلاقة مع الأطراف المختلفة يمكن أن نتوصل إلى أن هناك مجموعة من الآراء التي تفسر ظهور هذا التنظيم، ومن أبرزها:
التفسير الأول :


أن فتح الإسلام صنيعة سورية استطاعت احتواء عدد من المجاهدين وتوظيفهم لتحقيق أهدافها، وأن التنظيم يدار بأيدي استخباراتية سورية وفلسطينية لتحقيق الأهداف المطلوبة، ولا يلزم من هذا أن يكون جميع الأفراد على علم بهذه العلاقة، لكن معنى ذلك أن سوريا هي التي زرعت هذه النبتة ورعتها ووجهتها لتحقيق أهدافها من خلالها، ودليل ذلك أن الأعمال التي قامت بها كلها تصب في مصلحة النظام السوري وتعتبر تنفيذا لتهديداته، وهو تفسير مستبعد لدي لما سيأتي من تفصيل.
التفسير الثاني :


أن فتح الإسلام تنظيم جهادي له أهدافه السامية، وقد أراد أن يستثمر الإمكانات السورية لتحقيق الأهداف المشتركة حيث تتقاطع المصالح ويتوحد الأعداء، فهما جميعاً ضد إسرائيل وأمريكا وعملائهما في المنطقة.
ومعنى هذا أن فتح الإسلام تتعامل أو تتعاون مع النظام السوري بوعي لتحقيق الأهداف المشتركة بينهما، وبهذا فإن فتح الإسلام لا يمكن أن تعمل في أي اتجاه يخالف منهجها حتى لو طلب منها السوريون ذلك، ويدرك السوريون أنها جماعة جهادية لكن لا مانع لديهم من الاستفادة منها لتحقيق بعض أهدافهم.
التفسير الثالث :


أن فتح الإسلام تنظيم جهادي ليس له أي علاقة مع النظام السوري إلا العداء، حيث سبق للنظام السوري أن اعتقل قائد التنظيم (شاكر العبسي)، وسبق أن قتلت سوريا أربعة من قيادات فتح الإسلام على الحدود مع العراق، وأن تباين الفكر والتوجه والولاء بين النظام السوري والتنظيم يؤكد ذلك، ويكون شاكر العبسي قد استطاع أن ينقلب على فتح الانتفاضة بعد أن استفاد منها في بناء تنظيمه وتدريب رجاله وإحكام سيطرته على فروع فتح الانتفاضة في المخيمات اللبنانية بحيث كان يخفي توجهه الحقيقي لحين حانت ساعة الصفر ليعلن عن إنشاء تنظيم فتح الإسلام، بحيث أن العبسي فضل أن ينسحب بعد تحقيق مكاسب دون أن يتم فصله قبل أن يحقق ما يريد، وأن يكون قد ساعده في ذلك (أبو خالد العملة) – الرجل الأول في فتح الانتفاضة - إما لقناعاته الثورية أو لقاء رشوة مالية كبيرة.

* تساؤل مهم: ما علاقة فتح الإسلام بالعراق ؟
للإجابة على هذا السؤال أقول بأن المراقب للأوضاع يدرك أن فتح الإسلام على علاقة وثيقة بقاعدة العراق تصل إلى أن تكون جزءاً تنظيمياً منها، ويدل على ذلك:
- العلاقة بين شاكر العبسي وأبي مصعب الزرقاوي، لدرجة أن شاكر من ضمن المتهمين في عملية مقتل الدبلوماسي الأمريكي التي أعدها ورتب لها أبو مصعب الزرقاوي.
- أن كوادر شاكر العبسي المشاركين في العراق يتبعون لتنظيم القاعدة في العراق وليسوا مستقلين أو مع جماعة أخرى.
- أن الكوادر الذين انضموا إلى فتح الإسلام في لبنان هم ممن أرسلوا من (القاعدة في العراق) للمشاركة في تكوين التنظيم، أو وجهوا مباشرة إلى سوريا ولبنان قبل وصولهم للعراق.
- التوافق الفكري بين التنظيمين.

* علامات استفهام حول تنظيم فتح الإسلام:
( وذكرها هنا من باب الاستقراء وليس بالضرورة أن تكون مقبولة لدى الكاتب، فليتنبه لذلك)
تثار على هذا التنظيم عدد من الاستفهامات التي تحمل على التشكيك في ولائه وأهدافه، ومن أهمها:
- كيف تحول "شاكر العبسي" مع مجموعة من كوادر فتح الانتفاضة -التي يغلب عليها التوجه اليساري- إلى اتجاه إسلامي بل وجهادي في يوم وليلة.
- كيف يمكن للنظام الباطني السوري أن يطلق سراح شاكر العبسي من غير شروط ولا تعهدات بعد أن اعتقله على ذمة قضية أمنية؟ وفي السجون السورية المئات ممن أمضوا عشرات السنين لمجرد الاشتباه ؟
- هل سيسمح النظام السوري بنشوء جماعات جهادية متطرفة لوجه الله تعالى من غير أن يكون له مصلحة من نشوئها أو علاقة بتوجيهها والاستفادة منها.
- بدأ شاكر العبسي بتدريب مجموعاته بمعسكرات (فتح الانتفاضة) التابعة لسوريا ومخيمات بيروت !
- استولى شاكر العبسي على مقرات فتح الانتفاضة وجميع مخازن الأسلحة ولم تعترض فتح الانتفاضة بل اكتفت بفصله من الحركة !
- الأعمال التي قامت بها فتح الإسلام كلها تصب في مصلحة النظام السوري وفي التوقيت الذي يناسبه.
- لايمكن لفتح الإسلام ولا لغيرها أن تعمل بهذا الحجم والانتشار في الساحة اللبنانية من دون دعم سوري أو جهة ذات ثقل كبير في لبنان .
- تصريحات وتهديدات الرئيس السوري بأن تشكيل المحكمة الدولية يعني نشوء حرب أهلية وفوضى في لبنان، فيا ترى من سينفذ هذا التهديد في الواقع؟ إن الذي حدث هو تفجير الأوضاع على يد فتح الإسلام !
- أغلب كوادر (فتح الإسلام) غير الشامية كانوا يحملون هويات سورية مزورة !
- تدفق الدعم بالمال والسلاح على فتح الإسلام بحيث استطاعت أن تجمع الأنصار وتحشد الأسلحة خلال فترة وجيزة وكأنها في سباق مع الزمن.
- معرفة الكاسب الأكبر والخاسر الأكبر من هذه الأحداث يوحي بمن يقف ورائها ( وسيأتي المزيد من تفصيل ذلك في الآثار المترتبة على الأحداث).
- التنسيق أو العلاقة الهادئة مع (فتح الانتفاضة) و(القيادة العامة) المواليتين لسوريا وتوترها مع (فتح أبي عمار).
- موقف الحزب (حزب الله) من فتح الإسلام وتحذير حسن نصر الله الجيش اللبناني من اقتحام المخيم!واعتباره خطاً أحمر.

* الآثار السلبية المترتبة على هذه الأحداث:
يؤسفني القول أن المستفيد الأكبر من هذه الأحداث هم الباطنيون والرافضة، وأن الخاسر الأكبر هم أهل السنة في لبنان عموماً والجماعات الإسلامية أو الجهادية بشكل خاص.
ومن ابرز تلك الآثار مايلي:
** إضعاف أهل السنة في لبنان من خلال:
o إعطاء ذريعة للحكومة اللبنانية لضرب التيار السلفي بتهمة أنه الحاضن لهذا التنظيم. o اعتقال عدد من رؤوس أهل السنة ورموزهم العلمية والجهادية والتضييق عليهم.
o كسر شوكة أهل السنة، واعتبار كافة المساعي لتقويتهم في محل الاتهام والشبهة.
o الخسارة الكبيرة بمقتل عدد من الكوادر الجهادية من أهل السنة واعتقال آخرين ينتظرون أحكاما قد تصل إلى الإعدام.
o كراهة أهل السنة للمجاهدين، وذلك لما ترتب على اجتهادهم من الأضرار و المفاسد فخسر المجاهدون عمقهم الاستراتيجي وهم عموم أهل السنة.
o تدمير مخيم نهر البارد بالكامل وتشريد أكثر من ثلاثين ألفاً ومقتل عدد من المدنيين الأبرياء.
o تعريض نساء وأطفال المجاهدين للابتزاز والأذى الحسي والمعنوي، وإن من يرى ماحصل من مشاهد تسليم نساء وأطفال المقاتلين من فتح الإسلام يصاب حزن وألم عميقين ويأسف لما وقع على أولئك النسوة من الأذى والنكال، حيث عاشوا أسابيع عديدة وهم يهربون من موقع لآخر، ويتعرضون لأنواع القصف، إني لأتعجب لهؤلاء الإخوة كيف لهم أن يقحموا نسائهم وأطفالهم في هذه المواجهة الخطيرة التي لايطيقونها؟ كيف لهم أن يعرضوهم لهذا البلاء العظيم والرعب الهائل؟ ألم يكن بإمكانهم حين اختاروا لأنفسهم خيار المواجهة أن يضعوا نسائهم وأطفالهم في مكان آمن بعيداً عن رحى الحرب التي لم يخلقوا لها ولا تستطيعها نفوسهم؟ ألم يكن بإمكانهم إخراجهم مع الثلاثين ألفاً من سكان المخيم الذين خرجوا منه على مدى شهرين وأكثر ؟
o إرباك الساحة السنية وزيادة شرخها واتساع الخلاف فيها، وهو الهدف الذي طالما سعى إليه حزب الله وبذل من أجله الأموال والجهود.
** ضرب المخيمات الفلسطينية:
o وهو هدف كبير لعدد من الأعداء وعلى رأسهم إسرائيل وأمريكا ثم الباطنية والرافضة (سوريا وحزب الله) الذين يصنفون القوى الفلسطينية بأنها شوكة سنية، وماجرى في لبنان ومايجري في العراق من قبل الرافضة يشهد بذلك.
o أعطت ذريعة لتأكيد مشروع نزع سلاح المنظمات الفلسطينية، ولطالما طالب الإسرائيليون والأمريكان وأذنابهم بـ(ضبط الأمن في المخيمات) من قبل الأمن اللبناني.
o حدوث شرخ كبير بين أهالي المخيمات الفلسطينية وعموم أهل السنة في لبنان بسبب الأحداث التي تتبادل الأطراف الاتهامات بالمسؤولية عنها.
o زيادة الفجوة بين التنظيمات الجهادية الفلسطينية والتنظيمات الجهادية الأخرى التي تقف خلف فتح الإسلام.ويظهر هذا من خلال موقف حماس وغيرها مما يجري في نهر البارد.
** تحقيق مكاسب للباطنية والرافضة:
o ماسبق ذكره من إضعاف أهل السنة وكسر شوكتهم وهم المنافس التقليدي للرافضة.
o أعطت الأحداث (حزب الله) فرصة للتنفس في ظل مشاغلة غيره للحكومة التي يعارضها.
o بات بوسع الحزب تنفيذ عمليات أمنية ضد أية أهداف وإلصاقها بفتح الإسلام.
o أصبح بإمكان الحزب التنصل من أي اتهامات حول الأحداث التي تقع في الساحة اللبنانية كضرب اليونيفيل وإطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات أو أي عمليات اغتيال و تفجير حيث يمكن أن تنسب لفتح الإسلام.
o استفادة النظام السوري من إرباك الساحة اللبنانية وإشغالها عن المحكمة الدولية.
o سعي النظام السوري لتصفية خصومه في ظل الفوضى والتوتر الأمني الذي كشف الأمن اللبناني وأضعفه.
o سهولة أن تنسب الأعمال التي يقوم بها النظام السوري في لبنان إلى فتح الإسلام أو القاعدة.
o تحقيق الاختراق السوري للتنظيمات الجهادية وتنفيذ بعض مشاريعه من خلالها.
ومن الآثار السلبية كذلك: إعطاء ذريعة لأمريكا والغرب للتدخل السافر والمباشر في لبنان بحجة محاربة الإرهاب.



* الموقف الشرعي من الأحداث:
من خلال تأمل ماسبق، والنظر فيه بعين التجرد والإنصاف، يتضح أن تصرف الإخوة في تنظيم (فتح الإسلام) كان تصرفاً خاطئاً بوضوح، فلم تكن الظروف مواتية إطلاقاً للقيام بعمل كهذا، وكانت نتائج العمل محسومة قبل بدايته، فالقوى غير متكافئة، والأوضاع المحلية والدولية لاتساعد إلا على قمع هذا التنظيم واستئصاله، وبهذا فإن العمل – من وجهة نظري – غير مشروع، وهو اجتهاد خاطئء، وسواءً كان الإخوة قد خططوا للقيام بهذا العمل ابتداءاً أو استدرجوا إلى ذلك دون أن يحسبوا له حساباً فإن هذا لايؤثر على النتيجة النهائية بتخطئة العمل وعدم تأييده، والتحذير من مغبة إثارة أعمال مشابهة في باقي المخيمات الفلسطينية داخل لبنان وخارجها.
ولعل المتابع للتصريحات والمواقف التي تبنتها عموم الجماعات الإسلامية في لبنان، دعوية كانت أو جهادية (كالجماعة الإسلامية اللبنانية، وتيار المستقلين، وعصبة الأنصار وغيرهم..) أو المواقف التي صرح بها العلماء والدعاة والمجاهدين هناك يرى اتفاقهم على تخطئة الإخوة في فتح الإسلام وتحميلهم تبعات هذه الأحداث وماترتب عليها من مفاسد وأضرار، وليس يستثنى من هذا الاتفاق سوى ماكان من (جند الشام) و(القاعدة في بلاد الشام) الذين ظهروا بمظهر التأييد وتوعدوا بالانتقام والقيام بأعمال مساندة، وهم في الحقيقة جزء من العمل وإن تعددت الأسماء.
وهؤلاء المتفقون على تخطئة العمل غير متهمين في مواقفهم، وهم من أعرف الناس بحال المنطقة ومايناسبها من العمل، وكون الإخوة في فتح الإسلام قد استدرجوا ووقعوا في الفخ الذي نصب لهم فإن ذلك لا يبرر عملهم ولا يستدل به على صحة اجتهادهم، بل إن ذلك مما يؤكد خطأ هذا الاجتهاد، وكان من الواجب عليهم سماع نصح الناصحين والحذر من كيد الأعداء ومكرهم.
وهذا – بطبيعة الحال – لا يعني إلغاء مفهوم الولاء والبراء، فلايدفعنا هذا الموقف إلى أن نوالي الجيش اللبناني، ولايعني أن نفرح بما أصاب إخواننا بل إننا على ما أصابهم لمحزونون موجوعون، ولم يحملنا على كتابة ماسبق سوى الرغبة في حقن دماء إخواننا والاتعاظ بما وقع وأن لا نلدغ من الجحر ذاته مرتين، وإلا فإن (فتح الإسلام) إخوتنا وهم – وإن أخطأوا – فإنهم أقرب وأحب إلينا من الجيش اللبناني، وإنما حديثنا هنا عن صواب العمل من خطئه.

* الدروس والتوصيات المستفادة من الحدث:
- عظم كيد العدو ومكره سواء من خلال الاختراق السوري وتوظيف المجاهدين لصالح مشروعه، أو من خلال الاستدراج اللبناني الذي نجح في جر الشباب لمواجهة غير متكافئة، وهذا يستدعي الحذر والاحتياط وعدم الاستعجال وأهمية التشاور مع أهل الخبرة والوعي وعدم الاستقلال بالرأي. فإن العدو قد يسعى لافتعال بؤر استقطاب لشباب الجهاد يتم تجميعهم فيها ثم يتم القضاء عليهم وأسر من يمكن منهم ثم جمع معلومات مهمة حول مراكز التوجيه ومصادر الدعم ونقاط القوة والضعف. وقد يكون سكوت الحكومة اللبنانية ومن ورائها أجهزة الاستخبارات العربية والأجنبية عن تنامي تنظيم فتح الإسلام وتوسعه وانضمام كوادر خارجية إليه حتى يكون بؤرة استقطاب لعدد كبير من الشباب والكوادر بحيث يقضى عليهم ويسحقون في الوقت والمكان المناسبين.
- أنه حينما تقع المواجهة بين بعض الفصائل الإسلامية والأنظمة والجيوش العميلة فيجب على بقية الفصائل التريث ودراسة الأمر قبل تحديد موقف معين، حتى لايكون استدراج البعض طُعماً لجر بقية الفصائل من غير قناعة، وإنما تحت ضغط الأمر الواقع أو العاطفة الجياشة التي لا تقدر عواقب الأمور، وهذا ما نجحت فيه بعض الفصائل التي دعيت للمشاركة بعد وقوع المواجهة فكان موقفهم واعياً فوت الفرصة على الأعداء، ومثال ذلك ما حصل من (عصبة الأنصار) في عين الحلوة والذين كان يمكن أن يزيد دخولهم من حجم الأزمة ويضاعف الخسائر على أهل السنة.
- أن من أعظم جوانب المناصرة للمجاهدين: (نصيحتهم وترشيد أعمالهم) فذلك يحفظهم من كثير من الشرور ويفوت الفرصة على أعدائهم المتربصين بهم، وماجرى أثناء الأحداث التي وقعت على (فتح الإسلام) من حماسة بعض الغيورين ودفعهم إخوانهم للمواجهة ليس من النصح في شيء، لأنها معركة محسومة قبل أن تبدأ، فماذا يمكن أن يفعل بعض مئات من المحاصرين في بقعة صغيرة من الأرض في مواجهة جيش مدجج بالأسلحة ومدعوم من الدول الإقليمية والعالمية بكل أنواع الدعم. إنها مسألة وقت فحسب، والإسلام لا يغفل ميزان القوى، كما أن الشريعة تأمر بالأخذ بالأسباب، وفق المفهوم الشرعي الذي يعتبر الاعتماد على الأسباب نقص، والأعراض عن الأسباب نقص كذلك. ثم أين الذين كانوا يحرضون الشباب على المواجهة ويدفعونهم إليها دفعاً بعدما حصل كل ذلك؟
- أثبتت الأحداث أن بعض المجاهدين ينقصه الوعي السياسي والأمني مما يتسبب في وقوع خسائر فادحة، وأن الإخلاص والاستعداد للتضحية صفتان لاتكفيان لتحقيق النصر وبلوغ الهدف المؤمل.
- أن على أولئك الشباب العاشقين للجهاد والمستعدين للتضحية، ممن يتوافدون على أي منطقة يكون فيها فرصة للقتال والاستشهاد أن يستفيدوا من هذا الدرس وأن لا يكونوا وقودا لتيارات أو دول ضد أخرى، وأن لا يكونوا قرابين تقدمها الاستخبارات لأسيادها، وأن سلامة النيات غير كافية لصحة العمل وسلامته، بل لابد من المراجعة المستمرة و التأكد أن مايقدم عليه الشباب هو جهاد في سبيل الله، ويحقق نصرا لدين الله، وفق الهدي النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم.
- حين نقول بأن الشباب استدرجوا للمواجهة مع الجيش اللبناني ولم يخططوا لها فهذا لا يعفيهم من المسؤولية تجاه ماحدث، إذ كيف يعطون العدو الفرصة لاستدراجهم لمواجهة لم يريدوها ولم يحسبوا حسابها؟ وقيادة العمل يجب عليها حماية العمل من كل مايضره، ومن أعظم ذلك: حرف مساره عن وجهته الأصلية وإبعاده عن تحقيق أهدافه. وكيد العدو ومكره ليس عذرا للوقوع في الفخ.
- كان على قيادات الجهاد ذات القبول الواسع لدى هؤلاء الشباب المسارعين لتلك المواقع واجب كبير في بيان رأيهم في تلك الأحداث ونصح الشباب، وفي السكوت خيانة لهم وتسبب في إيرادهم موارد الهلكة، وبحسب علمي فإن القيادات الكبرى في القاعدة لم تعلق بشيء وكأن شيئاً لم يقع! في الوقت الذي يعلقون فيه على أحداث أقل أهمية من هذا الحدث، باستثناء ماكان من قاعدة الجهاد في بلاد الشام التي هددت بتفجير الوضع في لبنان مالم يفك الحصار عن المخيم.
- يجب على العلماء والدعاة أن لا تدفعهم مثل هذه الأحداث للوقوف ضد الجهاد المشروع، وإن كان ثمة موقف يسجل في مثل تلك الأحداث فيجب أن يكون الحديث بعلم وعدل، بحيث ينتقد الخطأ، ويوضع في حجمه الطبيعي، ويكون الحديث على سبيل النصح والتسديد لا على سبيل التشفي والمعاداة، وأن يتم تبيين حال الأعداء وخطرهم على الأمة، وأن لايحدث الانشغال بأخطاء الشباب عن إدراك الخطر الحقيقي، وأن لايكونوا – أي العلماء والدعاة – أبواقاُ للإعلام المعادي للأمة.
- على العلماء والدعاة مسؤولية كبيرة في نصح هؤلاء الشباب وتحذيرهم وبيان مزالق الطريق التي قد يتعرضون لها من خلال رغبتهم في أداء فريضة الجهاد والحرص على الشهادة في سبيل الله.
ويلاحظ في هذا السياق أن عامة العلماء والدعاة قد انصرفوا عن العناية بميادين الجهاد وترشيده وتسديد القائمين عليه، فعليهم أن يتقوا الله في المسئوليات التي تحملوها حين أتاهم الله العلم وسخرهم في سبيل الدعوة.
وأخشى أن يكون على العلماء والدعاة كفل من الدماء التي أريقت والنفوس التي ابتليت والأضرار الفادحة التي وقعت لقاء تفريطهم في النصح والترشيد الذي هم أهله وأولى به.
- أنصح الإخوة الذين تسببوا في هذه الأحداث ودفعوا بالشباب إلى لبنان بحجة وجود فرصة للتدريب الآمن، أو بحجة الإعداد لفتح الطريق إلى فلسطين، سواء كانوا محرضين أو منسقين أو داعمين، أنصحهم بأن يراجعوا أنفسهم ويعلموا مسؤوليتهم عن الدماء التي أريقت، والنفوس التي أسرت، والدمار الهائل الذي حصل، وليعلموا أن التنصل وعدم معرفة الناس بحقيقة مواقفهم لن ينجيهم من المؤاخذة بين يدي العليم الخبير، فليتوبوا إلى الله ويصلحوا ما أمكنهم ذلك، وليستفيدوا من هذا الدرس القاسي، فإن هذا أنجى لهم بين يدي الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد



تم تحريره في 15 شوال 1428 هـ

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.