قراءة في الخطاب الجديد للشيخ أسامة بن لادن

(أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه)
* جاء خطاب الشيخ أسامة بن لادن بعد انقطاع طويل، كثر بموجبه التشكيك والتخرصات بحال الشيخ وصحته، فكان خروجه قاطعاً للجدل حول وضعه. كما جاء خطابه ضربة موجعة لخصومه، ظهر بها حجم الفشل لكل مشاريع تعقبه، ومحاولة القبض عليه أو قتله حتى أدى بهم ذلك إلى الأماني بأن يكون المرض قد قضى عليه، وأراحهم من هذه المشكلة المستعصية. كما جاء خروجه ليغمر محبيه بالفرح والاستبشار وعودة الأمل بعد أن كاد القلق بشأنه أن يقضي على آمال الكثيرين منهم، وقد بلغ بهم الإرجاف كل مبلغ، فبعث الخطاب فيهم الحماس من جديد، وتجدد لهم النشاط لمواصلة الجهاد وتأييد المجاهدين.

* يوجد بالتسجيل ملاحظة فنية، وهي أن الصورة المتحركة لا تزيد عن ثلاث دقائق أما باقي التسجيل فصوت مستمر مع صورة ثابتة ، مما يثير عددا من التساؤلات حول سبب ذلك والمقصود به، والذي أراه أن ما حصل في الشريط لا يعدو أن يكون خللاً فنيا في التسجيل ولا يحمل أي دلالة أكثر من ذلك.

* يلاحظ على الخطاب هدوءه وسكينته، حيث يخلو من أسلوب التهديد أو التعنيف الذي تميز به أسلوب د.أيمن الظواهري مما يعطي نفساً عاما بالفرق بين الرجلين.

* حمل الخطاب عدداً من الرسائل ومن أهمها:

- دعوة الشعب الأمريكي إلى الإسلام وبيان الحق الذي حرص الإعلام الأمريكي على تشويهه، وبيان محاسن الدين الإسلامي وموقفه من النصرانية ومن عيسى عليه السلام وأمه.

- نقد القيادة الأمريكية وأن الشعب الأمريكي والجيش بصفة خاصة يدفع ثمن مغامرة قيادته التي تسعى لتحقيق مصالح الشركات الكبرى التي تتاجر براحة الشعب الأمريكي وأمنه ورخائه.

- يحمل الخطاب طابع التهدئة مع كل الفئات ، حتى الحديث عن الحكام جاء بعبارة لينة.

- بعث الخطاب برسالة تطمين صريحة لغير المعتدين من اليهود والنصارى في البلاد الإسلامية، وإذا كان ذلك كذلك، فإن الخطاب يتضمن - من باب أولى- رسالة تطمين للشعوب الإسلامية بأن الضرر والرعب لن يأتي من قبله.

- يوجه الخطاب رسالة واضحة للشباب الذين يتبنون تيار العنف في البلاد الإسلامية بالتهدئة والبعد عن الإضرار بالآخرين لأن الدين الإسلامي دين الرحمة والعدل يرفض الاعتداء، بل هو ملاذ المظلومين والمضطهدين من أصحاب الديانات الأخرى كما حصل مع اليهود الأسبان الذين جاءوا إلى المغرب هرباً من بطش محاكم التفتيش النصرانية.

* وهنا يتبادر سؤال مهم: ما سبب اختلاف طرح الشيخ في هذا الخطاب عن خطاباته السابقة التي يظهر فيها والسلاح بجواره، حيث لا تخلو تلك الخطابات من عبارات التهديد والوعيد؟.

وللإجابة على ذلك السؤال أقول :

يبدو لي أن هذا الخطاب جاء منسجما مع طبيعة الشيخ وطريقة تفكيره، فعبَّر عن رؤيته بشكل واضح وجلي حين أصبح في جوٍ هادئٍ بعيداً عن المؤثرات التي قد تدفعه لعبارات وأطروحات لا تتلائم مع قناعاته وطبيعته المعروفة عنه. كما أن ذلك قد يكون استجابة لنصح الناصحين الذين بعثوا له نداءات متعددة ممن يعرفهم ويحسن الظن بهم.

ويبدو لي أن من أهداف الخطاب الجديد للشيخ : تصحيح ما وقع من أخطاء في الخطاب الإعلامي للقاعدة، حيث نجح العدو في استثمار الأداء الإعلامي للقاعدة - وبخاصة في العراق- من أجل تشويه صورة الإسلام بشكل عام والجهاد بشكل خاص في العالم أجمع، فجاء خطاب الشيخ ليعرض محاسن الإسلام والجهاد وينفي الظلم والاعتداء، ويذكر بأن الإرهاب صفة الكفار، وأن ما يقع من المجاهدين إنما هو من باب دفع الظلم، فنحن أمة تأبى الضيم.

ولهذا : أدعو الإخوة من محبي الشيخ ومؤيديه إلى أن يستجيبوا للرسائل التي أراد الشيخ إيصالها إليهم ، وأن يسلكوا مسلكه في التهدئة، فهاهو لم يشتم أحداً ولم يجازف بإطلاق الردة والتكفير هنا وهناك، كما أنه لم يعط الإعلام المعادي أي فرصة لاستثمار أطروحاته في تشويه صورة الإسلام والجهاد.

ولاشك أن تبني أعمال العنف التي تجري داخل البلاد الإسلامية لا يتناسب مع طرح الشيخ في هذا الخطاب، وحتى لو لم يكن في الخطاب نقد صريح لتلك الأعمال فإن تلك الإشارة تهدف إلى منع أعداء الإسلام من استثمار ذلك في النيل من المجاهدين، فأرسل تلك الرسائل إليهم بشكل غير مباشر. فهل يحظى المسلمون في البلاد الإسلامية بتطمينات من قبل الشباب على نحو من هذا التطمين الذي أعطاه الشيخ ليهود المغرب وأقباط مصر؟

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.

وصلى الله على نبينا محمد

تم تحريره في 3 رمضان 1428 هـ

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.