نصيحة لكتاب التيار الجهادي

( أرجو من القارئ الكريم إتمام قراءة المقال قبل الحكم عليه )

من المتقرر لدى المهتمين بالشأن الإسلامي عموماً، وبالشأن الجهادي بشكل خاص أهمية الإعلام ودوره في التأثير على قناعات الناس، وأن الصراع مع الأعداء لا يقتصر على القتال وأن (الحرب الإعلامية) لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية، ولهذا اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بالجانب الإعلامي في الحرب ووظف الطاقات المتاحة في عصره لمواجهة إعلام الأعداء.والإعلام في هذا العصر - مع التطور التقني - أصبح أكبر تأثيراً من ذي قبل، وقد سعى العدو إلى توظيفه في حربه ضد المسلمين بشكل كبير، ونجح في ذلك – وللأسف – حيث مارس نشاطه في صفوف المسلمين ممن يعدهم المجاهدون ليكونوا خطهم الخلفي وعمقهم الاستراتيجي، وأدى النجاح الإعلامي للعدو إلى تشويه صورة المجاهدين والجهاد بعامة في نفوس كثير من المسلمين، فلم يسلم المجاهدون من ألسنة عامة المسلمين فكيف يتوقع منهم أن يكونوا أنصاراً للجهاد.ومن أجل مواجهة هذه الحرب الإعلامية فلابد من العمل على عدة محاور، وأن تتظافر على ذلك جميع الطاقات الجهادية كل في ميدانه.وحيث أن ميدان (الانترنت) من الميادين المهمة في الإعلام المعاصر فإن هذه المقالة موجهة إلى هذا الجانب تحديداً، وهنالك جوانب أخرى كثيرة ومهمة من الحرب الإعلامية يمكن مناقشتها في مقالات لاحقة.ولاشك عندي أن التيار الجهادي قد استثمر شبكة الانترنت استثماراً كبيراً واستفاد منها في تسويق مشروعه الجهادي، وجلب الأنصار والدعم لصالحه، ومع ذلك فإن بالإمكان تطوير أداء المجاهدين على الشبكة، ورفع مستوى التأثير لكتاباتهم، وتوسيع دائرة الاستقطاب والتوظيف لطاقات الأمة، ولهذا كتبت هذه المقالة التي تصب في تطوير الأداء وهي تحمل مجموعة نصائح لكتاب التيار الجهادي، أرجو أن يتأملها الإخوة وينتفعوا بما فيها، ويمعنوا فيها النظر .وإليك – أخي الكاتب الجهادي – هذه الوصايا والملاحظات :
أولا:
الثقة بنصر الله وتحقيق وعده للمؤمنين، فالنصر أشمل من أن يكون في ميدان القتال فحسب، فكل ميادين المواجهة مع العدو يترقب فيها المؤمن نصر الله ومعونته حيث يعلم أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، وقد قال الله تعالى : (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وقال سبحانه : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وقال : (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) هذه النصوص وغيرها تكسب المؤمن ثقة بنصر الله مع قلة الإمكانات وضعف الطاقات مقارنة بما يملكه العدو، وليس على المؤمن إلا بذل الجهد والوسع والطاقة وفق ما أمر الله، أما النجاح وتحقق النتائج فذلك موكول إلى الله سبحانه.
ثانياً :
تحمل مسؤولية وأمانة الكلمة التي يكتبها، وأهمية المراقبة لله تعالى في كل حرف تخطه يداه، وأن يتأكد من تحقيقه لمقصود الشرع الحنيف، فصلاح النية وحده ليس كافيا، إذ لابد من تجنب الانتصار للنفس وترك اتباع الهوى، ولابد مع ذلك كله من صلاح العمل وموافقته للشرع، ولابد أن يدرك الكاتب أنه بما يكتبه من مقالات وردود يمثل اتجاها مهما في الأمة (الاتجاه الجهادي) وأنه قد يحسن إلى ذلك الاتجاه أو يسيء وفق ما يكتبه من موضوعات، وليعلم أن بعض الكتابات المنسوبة لأبناء هذا الاتجاه تعطي انطباعاً سلبياً عن الجهاد، ووصف أصحابه بالحدة والعنف وعدم التروي وسرعة تنزيل الأحكام من غير روية أو دليل. ولاشك أن حسن الأداء، ودقة النقل، والصدق، من أسباب تحصيل المصداقية والقبول لدى القراء، ولا ينبغي أن يكون التخفي خلف المعرفات المجهولة سبباً في تناسي الكاتب (مسؤولية الكلمة)، أو الغفلة عن مراقبة العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافيه في الأرض ولا في السماء.
ثالثاً :
الاهتمام بجمع كلمة المجاهدين، وبث ثقافة الوحدة والاجتماع، وعدم إتاحة الفرصة لدعاة الفرقة والمتحزبين من الأعداء أو المحبين. وكثيراً ما يؤتى العمل من قبل المحب المتحمس الذي لا يقدّر عواقب ما يقوم به من هجوم على إخوانه لمجرد المخالفة وهو يظن بذلك أنه يحسن صنعاً، و لو تقرر لدينا أن النصر المنشود لا يمكن أن يتحقق على يد طائفة واحدة من طوائف المجاهدين، بل ولا بالمجاهدين وحدهم بعيداً عن العلماء والمختصين في السياسة والاقتصاد والإعلام، بل وعموم المسلمين، لو تقرر لدينا ذلك لغلّبنا جانب جمع الكلمة وتوحيد الصف على الانتصار لطائفة أو التحزب لجماعة.
رابعاً :
الحذر من الاختراق الأمني والفكري.
أما الاختراق الأمني : فإنه قد يحصل بوجود بعض الكتاب الذين يعملون لصالح جهات استخباراتية ولكنهم يكتبون بما ظاهره تأييد التيار الجهادي وحقيقته تشويه صورة الجهاد، من خلال الكتابات المتطرفة التي تعطي الانطباع السيئ عن هذا التيار، وتنفر الناس من حوله، ومن خلال السعي للتفريق بين الفصائل الجهادية، وإثارة الشبه حول بعض القيادات في العمل الجهادي، وإحداث الفجوة بين العلماء والمجاهدين...، إلى غير ذلك مما يجب أن يكون المجاهدون على حذر منه، ويجب أن ندرك أنه لا يمكن للاستخبارات العربية والأجنبية أن تقف من المنتديات الحوارية والمواقع الجهادية موقف المتفرج، وأن العدو لا يكشر عن أنيابه دوماً، بل قد يظهر في صورة الموافق ليحقق أهدافاً أكبر وأخطر، وليتأمل القارئ الكريم عدم تعرض كثير من المواقع للإغلاق والإلغاء من قبل الأعداء مع قدرتهم على ذلك، مما يوحي بأنهم يحققون من ورائها مكاسب تستحق الإبقاء عليها مع ما ينالهم منها من المفاسد. وأما الاختراق الفكري : فذلك حين يكتب بعض أبناء التيار الجهادي من قليلي العلم، ويخوضون فيما لا يحسنون من أبواب (التكفير) و(الحكم على المخالف) وغير ذلك، فينشر الغلو والفكر المنحرف داخل التيار، مما يحرفه عن مساره، ويحرمه توفيق الله ونصره، ويكون سبباً في الخذلان.
خامساً :
الالتزام بالصدق في الأخبار، ويدخل في ذلك التثبت عند النقل، فـ(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) ويجب على الكاتب أن لا يسارع بتصديق ونشر الخبر الذي تميل نفسه إليه إلا بعد أن يخضعه لمعايير التحري والتوثيق، وأن يتثبت من مصداقية الخبر، حتى يتعامل مع الواقع الفعلي لا مع ما يتمنى حدوثه.
سادساً :
العدل في الأحكام، بحيث لا تحملنا الخصومة والعداء على الحيف والظلم، والله تعالى يقول: (ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) فعداوة الكفار – حتى في حال الحرب - لا تمنع من تحقيق العدل معهم، ولا تجيز إيقاع الظلم عليهم، فإذا كان هذا في التعامل مع الكفار المحاربين، فكيف بالمخالفين من عامة المسلمين فضلاً عن المجاهدين.
سابعاً:
الرفق والرحمة، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولانزع من شيء إلا شانه، وقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وليس يجني الكاتب من استخدام أسلوب العنف والاستطالة على أعراض المخالفين سوى العداوات وامتلاء القلوب بالحقد والكراهية مما يضر بصاحبه في الدنيا والآخرة، ويمنعه من تحقيق أهدافه المشروعة.
ثامناً :
تجنب الكتابة فيما لا يحسنه الكاتب، والاستفادة من المختصين في المواضيع التي يرغب الكتابة فيها.
تاسعاً :
تعويد النفس على قبول النقد والاعتراف بالخطأ، ونقد الذات, فذلك سبيل للثقة والاطمئنان على مسار العمل , وقد دلت النصوص المتوافرة على ذلك , إذ الهدف من نقد الذات والاعتراف بالخطأ أن يتم التصحيح و تجنب الأخطاء , وقد عاتب الله المؤمنين بعد معركة أحد بقرآن يتلى على مر الزمان إذ يقول سبحانه ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)، وقال في موضع آخر ( قل هو من عند أنفسكم) فانظر كيف أبان الله واقع المسلمين آنذاك لما فيه من المصلحة، مع أن العدو الكافر قد يستثمر هذا العتاب في الشماتة بالمسلمين.وهاهو صلى الله عله وسلم يقول عن خالد بن الوليد رضي الله عنه: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) , فلم يسكت عليه الصلاة والسلام على خطأ خالد تحت ذريعة أن لا يستغل كلامه الأعداء و يشمتون بخالد رضي الله عنه , كما أن نقده لخالد لم يحرمه من أن يصفه بأنه سيف سله الله على المشركين. وحتى لو ترتب على نقد الذات حصول بعض المفاسد فإنها تنغمر في الكثير من المصالح المترتبة عليه، وهذا لايعني بطبيعة الحال تعقب المجاهدين و التنقيب عن أخطائهم وإشاعتها , ولكن الحق في التوسط بين التضليل و التخذيل. خلافا لما يظنه بعض الكتاب من أن النقد يعني العداوة أو الكراهية, أو أنه يتسبب في التشكيك و إضعاف ثقة الناس بالمجاهدين. فتجد بعض كتاب التيار الجهادي يسارعون إلى اتهام الناقدين بالعمالة , وسبهم وشتمهم, وهذا دليل على ضعف الثقة بالنفس و التخوف من النقد , وإلا فأي مشروع هذا الذي يمكن أن يتهاوى بمقالة ناقد أو طعن طاعن , والحق لا يضره النقد الهادف البناء بل ينفعه ويقويه.
عاشراً :
البعد عن الضجيج و الزخم الإعلامي الذي لا يقف خلفه عمل حقيقي في الواقع, لأن ضرر هذا أكثر من نفعه, وقد ينقلب إحباطا يعصف بأنصار الجهاد ومحبيه والمتعاطفين معه، ومن نماذج ذلك ما حصل إبان الغزو الأمريكي لأفغانستان حيث تتابعت الرسائل والإخبار التي تفيد بمقتل مئات الأمريكيين في موقعة هنا أو هناك، وهي أرقام كبيرة , و أخبار مصنوعة لا صحة لها في الواقع , صنعها المحبون الذين يكذبون للجهاد وليس عليه, فماذا كانت النتيجة لقد انقشع الغبار عن قتلى وأسرى وجراح غائرة وإحباط كبير لكثير من المحبين الذين يتابعون الأخبار بلهفة و يصدقونها بحماس، ولا يقبلون مجرد التردد والتشكيك في صحتها.ومن نماذجه : ماكان يردده الأستاذ سياف في بيشاور أيام الجهاد الأفغاني الأول حيث كان يقول : (من كابل إلى القدس) و يجد من يصدق هذه العبارة ويكبر لها !! ولنا أن نتساءل اليوم: إلى أين انتهت هذه المقولة.ولقد كنا دائما ننقل للناس الصورة المشرقة للجهاد الأفغاني، حتى تفاجأ الناس بالاقتتال الشرس بين قادة الجهاد هناك، والذين مافتئنا نزكيهم ونمدحهم و نعلق عليهم آمال الأمة في قيام دولة إسلامية على أرض أفغانستان.
فعلى كتاب التيار الجهادي التعامل مع الواقع كما هو، وعدم المبالغة في نسج الصور الخيالية والمثالية حتى لا يتكرر الإحباط لدى المتعاطفين مع الجهاد.كانت تلك جملة من الوصايا التي أحببت أن أضعها بين يدي إخواني من كتاب التيار الجهادي، بهدف ترشيد وتطوير العمل، وتصويبه وتقويم مساره.

نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويهدينا للسداد في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد
تم تحريره في 21 رجب 1428 هـ

بين يدي المدونة

* نؤمن بمشروعية الجهاد، وضرورته، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر وفي كل عصر، وأنه سبب لحفظ بيضتها وحماية مقدساتها. * نرى أن من عوامل نجاح الجهاد وتحقيقه لأهدافه : السعي في ترشيده وتسديد القائمين عليه، وأن النقد الهادف لصالح الجهاد وليس ضده. * نهدف إلى حماية المشروع الجهادي من التشويه، والذب عن أعراض القائمين عليه.